الإثنين، 23 سبتمبر 2013 12:35 م
عيب مصر الأخطر
" الثقافه القشرية "
من دون مقدمات، عيبنا هو أننا لا نعرف. لا أعني هنا قصور تطورنا التكنولوجي، أو تراجع مستوى خبرتنا العلمية عموما ..إنه أمر يتجاوز حتى الحديث المتداول عن ارتفاع مستوى الأمية في المجتمع. نحن لا نعرف كل ما حولنا، لا نعرف أشقاءنا، لا نعرف جيراننا، بل الأشد خطورة هو أننا لا نعرف أنفسنا.يتعاطف بعض المصريين مع حكم بشار في سوريا، ويرونه حائط صد أمام عملية تفتيت دول عربية وخطة هدم الجيوش واحدا تلو الآخر.
لا يعود هذا إلى موقف أيديولوجي، ولا إلى قناعة سياسية، بل إن كل المصريين إلا عدد نادر منهم لا يعرف «حزب البعث» وإذا عرفه فهو لا يمايز بينه وبين قرينه العراقي، ناهينا عن الخلاف التاريخي والصراع المعقد بين «بعث دمشق» و«بعث بغداد».
موقف مثل هذا الذي يتبناه مصريون تعضيدا لبشار، ومن ثم الظن به بطلا مقاوما، ليس سوى توجه عاطفي، لم يعتمل من أجله فكر، ولم يتم إعمال عقل في شأنه..لا على المستوى العادي العام، ولا على المستوى الإعلامي والسياسي الخاص.. بل إنه يمكن القول إن عددا كبيرا ممن يتداولون شئون سوريا ليس لديهم تحديد جغرافي لمواقع أدلب وحمص وحماة واللاذقية وغيرها من مدن الأحداث السورية المتعددة.
ينطبق الأمر ذاته على واقع «حزب الله»، حيث تعاطف معه في وقت لاحق كثير من المصريين، لأسباب شعارية، تجاهلوا في الطريق إليها الاختلاف المذهبي بينهم وبين ما يؤمن به حزب الله . في حقيقة الأمر لم يبذل المصريون جهدا كبيرا من أجل أن يعبروا هذا المانع المذهبي، إذ يمكن القول إن كثيرا من المواطنين لا يعرفون الفروق الحقيقية بين السُّنة والشيعة، إلا فيما يتعلق بما ينص علىه الأذان الشيعي أو ما يسند إليه المصلون الشيعة رؤوسهم أثناء السجود.
وبالمثل، يمكن أن تتساءل : هل تعرف الغالبية «ولاية الفقيه»، و«الشيعة الاثنى عشرية».. وبالتالي وفي ضوء هذا علىنا أن نعيد التفكير في جريمة قتل وسحل المواطنين المصريين المنسوبين للعقيدة الشيعية قبل بضعة أشهر، وأن نقيس على ذلك ما هي تصورات قطاعات واسعة من المصريين حول المسيحية والأقباط، والفروق العقيدية بين الأرثوذكس والإنجيلين والكاثوليك.
مشكلتنا أننا لا نعرف، لا نعرف أنفسنا، لا نعرف عقائد مواطنينا، لا مسلمين ولا مسيحيين، ولا نعرف حتى تاريخنا، ولا ندرك مفرداته وقواعده وأحداثه الرئيسية، ولا نميز بين مراحله، ولا نعرف الأشقاء العرب .. ليس بيننا من يلم بالسودان، ولا فلسطين ولا ليبيا ولا سوريا ولا لبنان ولا العراق ولا دول الخليج ..وعلى الرغم من أن ملايين المصريين عاشوا في مختلف تلك الدول باستثناءات بسيطة، فإن هذه الملايين لم تمثل تراكما معرفيا شعبيا مصريا عن تلك المجتمعات الشقيقة، وحتى اللحظة لا يوجد في نخبة مصر من يمكن القول أنهم يعرفون تلك المجتمعات ويتخصصون فيها ويدركون أبعادها.
قس على هذا : نحن لا نعرف إثيوبيا ولا تركيا ولا إسرائيل ولا الشقيقة جنوب السودان، وفي ذهننا العام تهويمات عن إيران .. ورغم كل ذلك فإن لدينا مواقف عامة واتجاهات للرأي العام وانطباعات وتصنيفات وقرارات مسبقة بشأن كل تلك الجغرافيا، سلبا أو إيجابا، ونعلن ذلك بمنتهى الجسارة والجرأة ولا نتورع ثانية في أن نعطي لأنفسنا مساحة المراجعة في ضوء أننا لا نعرف.
خطورة هذا العيب، الذي يشمل النخبة قبل اتجاهات الرأي العام بتنوعها، هو أن هذا يجعلنا رهائن لغيرنا .. الذين يدركون أن المصريين لا يعرفون، ويعانون من جهل حقيقي، ليس فقط بالآخرين بل بأنفسهم .
وبالتالي يخشى السلفيون من التشيع لأنهم يدركون أن المذهب السني غير مستقر في النفوس، ويرتعب المتطرفون من المسيحيين لأنهم يجهلونهم ولديهم انطباعات مشوهة عن العقيدة التي يؤمنون بها. وقس على ذلك عشرات من الظواهر السلبية.
إن هذا الجهل العام، شبه المتعمد، لأن المتعلمين يشتركون فيه قبل من لم يتعلموا، ينشئ في داخلنا إحساسا عنصريا بتميز غير مبرر، يفترض في الآخرين أن علىهم هم أن يقدموا أنفسهم لنا وليس أن نمد جسور عقولنا إليهم لكي نتعرف علىهم ونفهمهم .. وننتقل من مرحلة الانطباعات إلى مرحلة القناعات المبنية على تفكير حقيقي.هذه الثقافة القشرية أخطر عيوب مصر، وسوف تظل كذلك ، وستكون ما يعرقل الديموقراطية والتطور والإصلاح ، لأن من يجهل يمكن ببساطة اختطافه أو العبث بمقدراته، أو دفعه إلى أن يعادي صديقا أو يصادق خصما......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق