حكم الغرباء !
عبدالله كمال
الأحد 2013/2/17 12:10 م
بينما كان عدد من المتظاهرين يدق باب قصر الاتحادية في مصر بجذع خشبي ضخم، محاولين اقتحامه في احد ايام شهر فبراير الحالي، رفع أحدهم في يده لافتة مكتوبًا علىها : «لا أمريكان ولا إخوان .. المصري حضارته بقى لها زمان» .
لقد حصر المواطن المحتج «الأمريكان مع الإخوان» داخل شطر واحد من الجملة الشعارية، في مواجهة شطر آخر انفرد به «المصري» .. ضفتان لاتلتقيان .. بينهما حائل منيع يرسخ الافتراق .
في ذات الوقت تضمن معنى العبارة أنه - أي المصري - تليد وباق ، بينما الآخرون طارئون عابرون .. تلخيصًا للعلاقة الشهيرة بين الجبل والريح .. بين الثابت والمتغير .. بين الراسخ والقادم مرورًا.
على موقع «تويتر» دونت الفنانة المصرية المعروفة «سيمون» منذ أيام عبارات تذكر فيها متابعيها بأنه قد مر على مصر محتلون كُثر .. فتحدثت عن كل غاز تم دحره ..من الهكسوس إلى الإنجليز والإسرائيليين . كانت بهذا تلمح إلى مايتداوله المصريون بكثافة في الأيام الحالية، على سبيل التحفيز الذاتي، من أن ما يواجهونه طارئًَا ولن يستمر، وأن في التاريخ ما يثبت أنهم تغلبوا على كل من اقتحم ديارهم وداس أرضهم . ليس طارئًا فحسب .. بل وغريب وليس من بين المصريين .
في صفحات الشبكات الاجتماعية، حيث إسهامات العاديين، وفي تصريحات المعروفين والمشاهير، المصنفين «نخبة» من مختلف التيارات، وفي بعض برامج التليفزيون ، صار معروفًا مصطلح «الاحتلال الإخواني»، وأصبحت عبارة «تحرير مصر»من المتداولات المتكررات، التي تشير إلى مزاج عام وتوجه اجتماعي .. يتعامل مع الحكم بأنه من خارج نسيج المجتمع .
تجد ذلك في كلمات كاتبًا صحفيًا وروائيًا مثل جمال الغيطاني، وقياديًا عماليًا ناصريًا مثل كمال أبوعيطة، وبرلمانيًا يساريًا مثل أبوالعز الحريري، وناشطة نسائية ليبرالية مثل فاطمة ناعوت، وفنانًا ينتمي إلى التيار الشعبي مثل خالد يوسف .. ومن ثم ليس غريبا أن يصطحب أب ابنه إلى ميدان التحرير بلافتة مكتوبًا علىها : « يسقط الاحتلال الإخواني» .
لم تعد المسألة مجرد اعتراض عميق الأسباب، واحتجاج حاد، على حكم تخالفه أغلبية الفئات المجتمعية ، بل انتقلت في « لازمن» إلى السعي نحو التخلص من سلطة وليدة، أظهرت في وقت وجيز رغبة في التحكم والسيطرة والإخضاع .. وكشفت في وقت مبكر جدًا عن أنها تريد فرض هيمنة شاملة على كل البلد بمؤسساته وهيئاته وفئاته.. وتتبع منهجًا يكشف عن نية أكيدة في الجثوم على صدر مصر لعقود .
بقدر ماكانت سرعة إيقاع الرغبة الحاكمة في الاستحواذ والاحتكار والإقصاء ..بقدر ما جاءت ردود الأفعال الشعبية سريعة فورية ومتنوعة ومتعددة الأنماط .
لقد استغرقت معارضة النظام السابق سنوات، قبل أن تظهر على الساحة تنظيرات تشير إليه باعتباره نوعًا من «الاحتلال الداخلي» .. وحتى حين ظهرت تلك فوق السطح فإنها لم تحظ بشيوع وانتشار .
يمكن القول أن جذور الفكرة الراغبة في «شيطنة» الحكم لاستجماع المعارضة ضده وتبريرها لم تكن مصرية. صاحب هذه الرؤية هو الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي الذي استحياها من تراث مقاومة الاستبداد. وكتبها المرزوقي في مؤلفاته وعلى مدونته التي حاربها وحجبها نظام حكم الرئيس السابق بن علي .. ومنه انتقلت إلى آخرين في دول عربية، وراجت في مصر خلال السنة الأخيرة قبل الانتفاضة الثورية في ٢٠١١، لتبرير المقاومة غير العنيفة والدفع في اتجاه ترقية مستوى الرفض من حالته الساكنة إلى المتحركة .
في أشد فترات الاشتباك بين حكم مبارك ومعارضيه، التي لم تبلغ قبل الانتفاضة الثورية ما عليه الأمور من احتقان حالي بين المصريين والإخوان، لم تتبلور أساليب التعبير عن الغضب ماهي قد وصلته الآن .
لم يلجأ المحتجون ضد مبارك إلى إطلاق النكات القاسية بهذه المعدلات الكثيفة، شبه اللحظية ، كما هو حادث الآن مع الإخوان .. ما يذكرنا بشراسة انتقادات عبدالله النديم وبيرم التونسي ..وكلاهما تعرض للملاحقة الشرسة من الحكم والاحتلال .
كما لم يكن المعارضون ينتجون مواد درامية وغنائية يومية توزع على موقع اليوتيوب وبقية الشبكات الاجتماعية مثرية عملية اجتماعية لاذعة لتشويه الحكم كما هو الحال الآن .. وبما يذكر بحركة المقاومة الفنية متنوعة الأساليب، التي تشبه المقالب على طريقة «علي الزيبق» في زمن المماليك، أو بسخرية حادة كما كان يفعل «أبونضارة» في نهاية القرن التاسع عشر .
أيضا لم تظهر مجموعة مقنعة ، تغظي وجوه أعضائها بالأقمشة السوداء وتسمي نفسها «البلاك بلوك» كما نشأت ضد مرسي بعد أشهر قليلة من بدء حكمه ..وربما تكون جماعة الإخوان قد أدركت معنى هذه الظاهره ثقافيًا واجتماعيًا .. قبل المخاطر الناتجة عن عنفها .. فأسرعت تهاجم تلك المجموعة بكل ما تملك من أدوات وأساليب وظفت فيها شعارات الدين أو حبائل القوانين .
في كل يوم يثبت المصريون أنهم يتعاملون مع الإخوان على أنهم (غرباء) .. ليسوا مجرد حكم يواجهونه .. أو حزب يرفضون سياساته ومنهج حكمه. ولم يذهب المواطنون إلى هذا الاتجاه إلا كرد فعل .. لم يقرروا ذلك من قبل .. بل أنتجوا هذه الصورة النمطية التي تترسخ يومًا تلو آخر «رفضًا» ثم «عقابًا» .. ثم «تبريرًا» لكل الأساليب التي يتبعونها وسوف يواصلونها ضد الحكم .
الإخوان هم الذين جعلوا من أنفسهم «غرباء» .. مايزوا بينهم وبين المجتمع .. اعتبروا أنفسهم مختارين .. لايتساوون مع الآخرين .. تعالوا .. تكبروا .. وحولوا أنفسهم إلى فئة ذات خصائص عنصرية .. لها ما ليس لغيرها .
الإخوان هم الذين أظهروا للمجتمع أن لديهم خطابًا ثقافيًا ضد تكوينه .. ومنهجًا دينيًا ضد وسطيته .. وسياسة ضد ما ثبت من قيمة الوطنية .. فحكم علىهم المجتمع بأنهم ضد تكوينه .. خارجين عن بنائه .. يريدون أن يبدلوا هويته .. ومن يبدل الهوية لايكون أبدًا من داخل النسيج .. إنه غزل من خيوط أخرى .
http://www.moheet.com/2013/02/17/%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A1/?cat=11?utm_campaign=mod&utm_source=buffer&buffer_share=f4dce
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق