حسام نصار: ما يحدث على الساحة المصرية الآن "سذاجة ثورية"..
ممارسات الإخوان مخيّبة للآمال.. والسلفيون أنقى منهم سياسيًا
حوار / علاء المنياوي
حرصت على فصل الثقافة عن السياسة والتركيز على تعددية مصر الثقافية
مصر في أزمة معرفية كبرى والثقافة منهج قبل أن تكون اطّلاع
أخفق مثقفو هذه الأمة في التواصل مع البسطاء
يمتلك الشاعر والمهندس حسام نصار وكيل أول وزارة الثقافة السابق للعلاقات الثقافية الخارجية حسًا أدبيًا عاليًا لم ينضب وسط الحياة العملية التي عاشها لفترة بعد تخرجه من هندسة القاهرة عام 81، وعمله لفترة في مجال البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والتي أوصلته لأن يصبح مستشارًا لوزير الثقافة لشئون التخطيط الاستراتيجي والعلاقات الدولية من 2008 وحتى 2009.
وأصبح نصار مسئولاً عن قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة من نوفمبر 2009 حتي أغسطس الماضي حيث رفض وزير الثقافة الدكتور صابر عرب التجديد له ليصبح مستشارًا للوزارة بدرجة "أ".
حسام نصار فتح قلبه لـ"صدى البلد" فى حوار تحدث فيه عن أحوال مصر والمثقفين والدور الذي قاموا به علي مدار أحداث عام ونصف بعد الثورة وتأثير صعود الإسلاميين إلي الحكم علي المجتمع.
أنت شاعر إلا أن إنتاجك الأدبي قليل . هل أخذتك المسئولية بعيدًا عن الإبداع؟
الشعر هو الذي يجد الوقت لا أنا، وحين يأتي يأتي بوقته، لكن معك حق، المسئولية السابقة إضافة إلى الاهتمام بالشأن السياسي أبعدوني عن الإبداع، لكنّ لدي حاليًا ديوانين جاهزين للإصدار، الأول تجربة "رباعيات" بالعامية المصرية والأخر"المرايا" ويعد ديواني الأول بالفصحى ويمثل تجربتي في الشعر الرومانسي، وإن شاء الله يظهران للنور قريبًا كما أنني أصدرت في السابق ديوانين بالعاميّة، الأول "تايه بادوّر ع البلد" عام 2005، وديوان "كلمة في ودن الموت" عام 2010.
كيف كنت تعمل الفترة الماضية في ظروف صعبة ونجحت في التواصل ثقافيًا مع الدول الأخرى؟
فعلت ما كنت أقوم به قبل الثورة، فصل الثقافة عن السياسة والتركيز على تعددية مصر الثقافية وتنوعها المتماسك الذي يبهر العالم في خصوصيته وفي مشتركاته أيضًا مع الآخر.
وكيف ترى ما يجري على الساحة المصرية الآن بعد أكثر من عام ونصف على الثورة؟
سذاجة ثورية، وصراع على السلطة، ومشاكل المجتمع الهيكلية أبعد ما تكون عن تفكير الجميع، وممارسات الإخوان مخيّبة للآمال، والسلفيون أنقى سياسيًا من الإخوان، ولكنهم حديثو عهد بمصر وكأنهم خرجوا لتوهم للتعرف عليها، وممارسات المتأسلمين في مجموعها أقل ما يقال عنها إنها شيء مؤسف ومحزن في ذات الوقت.
هل يعني هذا انقسام المجتمع عكس ما كانت تهدف إليه الثورة؟
المجتمع المصري منقسم إلى أربع فئات رئيسية بنسب متساوية، هى محافظون لم يرغبوا في التغيير ولم يرحبوا به ولا حتى اعترفوا به، وإصلاحيون يرحبون بالتغيير شريطة عدم الهدم، وراديكاليون يريدون الهدم والبدء من جديد، وتقليديون "متأسلمون" يريدون تغيير الشكل لا المضمون.
والثورة أملها في الفئة الثانية والثالثة أي الإصلاحيين والراديكاليين إذا ما اتفقوا ويمكنهم ببساطة حينها استيعاب المحافظين ليشكلوا جميعًا أغلبية مدنية ليبرالية، ويمكن للإصلاحيين لعب الدور الوسيط بين الراديكاليين والمحافظين، حينها وحينها فقط سوف يكون هناك للثورة فرصة لاستعادة أرضيتها والتقاط أنفاسها المنهكة والانطلاق من مفهوم جديد استيعابي وليس إقصائي
هل الثقافة المصرية بمكوناتها قادرة على مواجهة مد يقول البعض أنه ضد الثقافة والمثقفين؟
مصر في أزمة معرفية كبرى، والثقافة منهج قبل أن تكون اطّلاع، ومصر تعاني معاناة معرفية شديدة، وهي في عمومها لم تستوعب بعد نيوتن وتحاول اللحاق بعصر ستيفن هوكنج دون المرور بتجارب وخبرات قرنين من الزمان فصلا بينهما.
وهذا ما رسّخ من مشاكلها الهيكلية المستعصية على الحل، وانعكس على مجتمع فشل في إدارة ثورته بعد مشهد حضاري ابتدائي رائع، سرعان ما ارتد إلى عصر نيوتن وعصر الثورة الفرنسية لأنه كمجتمع لم يخض تجربة تنويرية مكتملة الأركان تدفع به نحو الحداثة، ولا إصلاح حقيقي اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو صناعي إلا بإصلاح معرفي هيكلي، ولكنه بكل أسف غير ممكن في ظل غلبة المتأسلمين والفكر التقليدي لأنه في تعارض تام مع الحداثة المعرفية.
الناس العاديون بعيدون عن هذا وتلهيهم "لقمة العيش" كما يقولون؟
هذا خطأ معرفي جسيم، لقمة العيش معرفة في حد ذاتها ولكن لم يعلّمهم أحد هذا ولا حتى المثقفين، لقد أخفق مثقفو هذه الأمة في التواصل مع البسطاء، بل أخفقوا أيضًا في فهم ما تثقّفوا به، وكما قلت لك سابقًا، الثقافة منهج وفعل قبل أن تكون اطّلاعًا، ولكن بكل أسف معظم مثقفي هذه الأمة لديهم تلبّك ثقافي، تثّقفوا ولكنهم لم يهضموا ما تثقفوا به، وانعكس هذا كله على اختياراتهم الانتخابية التي يندمون عليها الآن.
لو كان المثقفون وعوا ما تثقّفوا به لاختلفت خياراتهم، فما بالك بالبسطاء، ومن البسطاء الكثيرين الذين حسموا خياراتهم بشكل أكثر تثاقفًا من المثقفين، وتلك هى إحدى نكبات هذا الأمة..مثقفوها.
دور المثقفين طوال عام ونصف بعد الثورة..هل كان على مستوى الأحداث؟
لا طبعًا، وكان من الممكن أن يلعبوا دورًا طليعيًا في العبور بالدولة والثورة معًا إلى بر الأمان، لكنهم انحازوا إلى الضجيج الثوري وتحرّكوا بغرائزهم لا بعقولهم فما كان إلا أن انزوت الثورة وسقطت الدولة في يد الإخوان، ويا ليت الإخوان أرادوا إدارة الدولة، لكنهم صبوا اهتمامهم على السيطرة عليها.
كيف ترى ممارسات جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة؟
جماعة اضطهدت لعقود ثم جاءتها فرصة تاريخية للحكم بعد ثورة كان من الممكن استغلالها في أداء أحسن من هذا كثيرًا ليثبتوا للجميع أنهم اضطهدوا ظلمًا لكنهم على النقيض من هذا لم يحسنوا استغلال الفرصة وأهدروها.
من خلال تعاملك مع الدول والسفارات الأجنبية ثقافيًا كيف رأوا الثورة وما تلاها من أحداث حتى الآن؟
أظهروا في البداية إعجابًا شديدًا تجاه الثورة، ثم بدأت مخاوفهم في الظهور وأصبحت الآن هواجس كبرى، مصر دولة محورية وقوتها الناعمة في ثقافتها متعددة المشارب والتوجهات ومؤهلة بامتياز للعب دور عالم مصغّر.
وهواجسهم الآن في أحادية التوجه المعرفي ذي المسحة الدينية، وفي هذا فقدان كبير لدور مصر الحضاري عبر العصور وهو دور مركزي ومحوري رغم نعومته، ولكن حساسية العالم تجاه مصر لها جذورها في ثقافاتهم جميعًا، ولهذا هم في حال قلق شديد الآن على مصر وقلقهم هو قلق على ثقافاتهم ذاتها والتي لمصر ركن ركين ومكون أساسي بها.