القيمة الأهم للوزير محمد حسين طنطاوي في النظام السابق تكمن في الشأن المصري الداخلي من خلال الجيش ووزارة الدفاع. كلام خطير يرد في البرقيات الآتية عن ضيق ذرع المشير بجمال مبارك وجماعته، وخوفه العميق على مستقبل مصر، وهو ما قد يفيد في فهم جزء من التطوّرات الجذرية التي انتهت بانهيار النظام في 11 شباط 2011
تُظهر برقيّة بتاريخ 4 نيسان 2007 [07CAIRO974]، شقّاًَ غير معروف كفاية عن المشير محمد حسين طنطاوي، وهو موقفه من احتمال توريث جمال مبارك ونظرته إلى ابن الرئيس. البرقية مصدرها أنور عصمت السادات،
ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات. وبحسب السادات، ينظر جمال مبارك إلى كل من طنطاوي ورئيس جهاز الاستخبارات عمر سليمان على أنهما أكبر خطر على طموحاته الرئاسية، حتى إنّ «جمال ومجموعته باتوا أكثر ثقة بأن نجل الرئيس سيرث والده حتماً، وهم يعملون على إزالة العوائق الباقية أمام الوراثة، وهذه العوائق تتمثل بعمر سليمان وطنطاوي». كما يخبر السادات، السفارة الأميركية لدى القاهرة، بأن التخلص من سليمان وطنطاوي سيكون من خلال تعديل حكومي يجري في أيار أو حزيران (2007) لاستبدال اللواء الوزير و/أو المشير الوزير، وذلك ترجمةً لضغط جمال مبارك على والده.
الحلّ بانقلاب عسكري
وتوقّع السادات أن تفشل مشاريع جمال بوراثة والده في حالة واحدة، وهي وفاة حسني مبارك قبل تعيين ابنه جمال. وينقل السادات مضمون ما قاله طنطاوي له عن أنه «لم يعد يحتمل جمال وجماعته وفسادهم». قال لي طنطاوي إنه يواجه مشاكل في النوم ليلاً (بسبب هذه القضية)، وإنه لم يعد قادراً على تحمّل ما جرى وما قد يجري في البلاد». وما يصدم كاتب برقية السفارة (زمن السفير فرانك ريتشارديوني) من كلام السادات هو جزمه بأن الحل الوحيد بين الخيارات المتاحة لـ(إنقاذ) مصر هو انقلاب عسكري. ويبدو أنّ طنطاوي على علاقة شخصية جيدة مع أنور طلعت السادات، بدليل أنّ المشير وفر، وفق ما تكشفه الوثيقة نفسها، معاملة حسنة لشقيق أنور، النائب طلعت السادات، في إقامته بالسجن.
المشير العجوز بعيون أميركيّة
وتشرح البرقية رقم [08CAIRO524]، لوزارة الخارجية الأميركية، الموقع الذي يؤدّيه طنطاوي في الشأن الداخلي المصري على الشكل الآتي: في الحكومة، لا يزال يمتلك نفوذاً كبيراً، وهو يعارض كلاً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يرى أنها تأكل من قوة الحكومة. إنه قلق جداً حيال الوحدة الوطنية، وسبق له أن عارض سياسات ومبادرات وجد فيها ما يشجع الخلافات السياسية والطائفية داخل المجتمع المصري. يرى الرجل أن إحدى مهمات الجيش المصري هي حماية الشرعية الدستورية للنظام والاستقرار الداخلي، ويشير إلى أنه ينوي استخدام الجيش للسيطرة على جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البلدية المقررة في 9 نيسان (2008). في الشأن الاقتصادي، يرى أن الخطة الإصلاحية للحكومة تهدّد الاستقرار من خلال خفض سيطرة الحكومة على الأسعار، وهو يرفض رفضاً قاطعاً أي ربط للمساعدات العسكرية الأميركية بتعزيز حقوق الإنسان، أو بأي شروط أخرى. على المسؤولين في واشنطن أن يستعدّوا للتعاطي مع رجل متقدم في السن لمحاولة تغيير طنطاوي الذي يمانع التغيير. هو شخص ساحر ولائق، غير أنه منخرط في المسار العسكري لما بعد اتفاق كامب دايفيد الذي خدم المصالح الضيقة لجماعته طيلة العقود الثلاثة الماضية. يتركز همّ طنطاوي ومبارك على استقرار النظام والمحافظة على الوضع القائم حتى موتهما. ببساطة، كلاهما لا يملك الطاقة ولا الرغبة ولا النظرة الشمولية لفعل أي شيء آخر. رغم ذلك، علينا أن نخدم المساعدين الدائمي الحضور إلى جانب طنطاوي، من خلال التشديد على مستقبل العلاقات الأميركية ـــــ المصرية، وعلى كيفية التعامل كشركاء استراتيجيّين، فيما نواجه تحديات مستقبلية مشتركة.
وفي البرقية نفسها التي تمهد فيها السفارة لزيارة طنطاوي الولايات المتحدة، يرد تعريف سريع عن الرجل: الرجل الثمانيني شارك في 5 حروب ضد إسرائيل، وهو ملتزم بعدم حصول حرب جديدة معها إلى الأبد. لكنه يشعر ببرودة إزاء مسار اتفاقيات كامب دايفيد، وهو غير مرتاح إزاء الحرب العالمية ضد الإرهاب التي شنّتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول 2001.
مَلِك الوزارة
وتلخّص البرقية رقم 06CAIRO1297 المعاناة الأميركية في محاولة إقناع طنطاوي بالسير بمشروع تحديث الجيش المصري وفق الخطة الأميركية. وتشير البرقية إلى أن وزير الدفاع المصري ومساعديه «لا يزالون غير متعاونين مع اقتراحاتنا لتحول الجيش المصري، وفق ما هو معمول به في الجيش الأميركي. وقد رفض طنطاوي ومساعدوه جميع عروضنا من حيث تغيير هيكلية الجيش المصري وعقيدته القتالية وطرق تدريبه وتجهيزاته». وتلفت الوثيقة إلى أن طرق اتخاذ القرار في وزارة الدفاع «لا تزال هرمية، والموافقة الشخصية لطنطاوي ضرورية لكافة القرارات تقريباً، من ضمنها، على سبيل المثال، مَن مِن ضباط الجيش سيشارك في دورات التدريب ذات المستوى المتدنّي حتى». وتتابع البرقية أنه «رغم أننا قادرون على مواصلة تشجيع الوزارة على إعادة تقويم آليات عملها على ضوء التغيرات في الديناميات المصرية والإقليمية والتدريبات الحديثة، لا يرجّح أن تتجاوب وزارة الدفاع معنا».
كذلك تشرح برقية بتاريخ 21 آب 2005 [05CAIRO6414] المعرفة الأميركية العميقة بنفسية طنطاوي من حيث الحرص على عدم إغضابه أو إشعاره بأن الولايات المتحدة تتدخل في الشؤون الداخلية لبلده. وفي السياق، يمازح مساعد وزيرة الخارجية دايفيد ولش، طنطاوي، «أحد صقور الحرس القديم» لنظام مبارك، بحسب وصف البرقية له، قائلاً له إنه ليس موجوداً في القاهرة للتدخل في الحياة السياسية المصرية. وهنا يتدخل كاتب البرقية لينصح بأن «من المهم بالنسبة الى طنطاوي أن يسمع دائماً أن واشنطن لا تنوي التدخل في تفاصيل المسار الانتخابي في مصر، لكنها ستراقب عن كثب عدالة الانتخابات وشفافيتها وانفتاحها».
ويجد قارئ البرقية رقم 07CAIRO1503 عيّنة واضحة عن كيفية تعاطي الإدارة الأميركية مع النظام المصري حيال المسائل الأمنية والعسكرية؛ فعندما سأل المسؤولون الأميركيون مساعد وزير الدفاع المصري محمد القصار، ومساعد وزير التسليح الحربي فؤاد عبد الحليم، عن الجواب المصري على العرض الأميركي بتدريب قوات الحدود المصرية (مع قطاع غزة)، جاء الرد المصري قاطعاً. وهنا، يشير كاتب البرقية السفير فرانك ريتشارديوني إلى أن هذا الرد ليس مفاجئاً، مشدداً على أن خطة السفارة هي الضغط مباشرة على طنطاوي ليقبل بالعرض و«الاتصال الأخير الذي سيحسم الموضوع سيأتي من مبارك».
ننتظر الأسوأ بعد مبارك
يخصص السفير الأميركي لدى مصر، فرانك ريتشارديوني، برقيّة بتاريخ 14 أيار 2007 رقمها07CAIRO1417، لمحاولة استقراء وضع مصر ما بعد حسني مبارك والسيناريوهات المحتملة لخلافة الرئيس الذي تصفه البرقية بـ«الفرعون». وتجزم بأن الجيش سيكون العائق الأكبر أمام مشاريع توريث جمال مبارك الحكم، ذلك لأن أياً من رؤساء مصر منذ 1952 لم يأت من خارج صفوف هذا الجيش «الحامي المطلَق لنظام جميع الرؤساء».
وتلفت البرقية إلى أنه في المقابل، «لم يخدم جمال ضابطاً في الجيش، ونعتقد بأنه لم يؤدِّ خدمته العسكرية الإلزامية، لذلك ستكون الأمور أسهل بكثير لجمال مبارك فيما لو عيّنه والده قبل أن يموت». أما عن اللواء عمر سليمان، فترى البرقية أنه الأضمن للرئاسة إذا ما تغيّر مشروع توريث جمال، وخصوصاً أنّ «ولاءه للرئيس صلب كالصخر، وهو، بسنّ الـ71، قد يكون جذاباً للمجموعة الحاكمة بما أن سنّه لا تسمح له بأن يطمح الى الحكم عقوداً عدة». وتنقل البرقية عن أحد أصدقاء اللواء سليمان أن الأخير يكره فكرة توريث جمال، وخصوصاً أن مدير الاستخبارات «تعرّض لأذيّة شخصية عميقة من جراء وعد مبارك بتعيينه نائباً له وعدم تنفيذ وعده».
وفي السياق، تكشف برقيات أخرى أنّ السيدة الأولى سوزان مبارك هي التي حالت، طيلة حكم مبارك، دون تسمية سليمان نائباً للرئيس لكونها عرّابة مشروع توريث ابنها جمال. في المقابل، فإنّ طنطاوي الذي «لا طموحات رئاسية لديه أبداً»، إذا شعر مع عمر سليمان بأن من المصلحة الوطنية وصول جمال مبارك، فإنه سيفسح الطريق أمامه للقصر. وتلفت إلى أن مبارك، لأنه استمال وتلاعب بمعظم ضباط الجيش، لا يُستبعَد أن يظهر ضابط عسكري مغمور ليكون مرشّحاً لخلافة مبارك. وتتابع «بما أنّ طنطاوي ومساعديه العسكريين في الجيش ليسوا محبوبين كفاية من ضباط الصف المتوسط والأدنى، لذلك لا ينبغي أن نتجاهل تماماً احتمال حصول انقلاب عسكري». وتصل بورصة ترشيحات السفارة إلى ذكر اسم وزير التجارة محمد رشيد كـ«حصان أسود» للرئاسة على اعتبار «جذوره العائلية المرموقة، وفضله في النمو الاقتصادي الذي حققته مصر في السنوات الثلاث الماضية». في جميع الأحوال، تؤكد الوثيقة أنه «أياً كان الرئيس المقبل، فسيكون أضعف من مبارك، لذلك سيسعى جاهداً إلى تثبيت شعبيته من خلال اعتماد سلوك معادٍ لأميركا لكسب صفة وطنية لدى الشارع المصري، بعيدة عن صورة مبارك. كما يرجَّح أن يمدّ غصن الزيتون للإخوان المسلمين».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق