الأحد، 23 يناير 2011

نظريه المؤامرة وخريطه الدم




أنها سنة غريبة جداً سنة 2011 .... منذ الدقائق الأولي في يومها الأولي وهي تفصح عن وجه غريب تلاحقنا الأحداث فلا نفرغ من حدث ولا نكاد نلتقط أنفاسنا حتي يداهمنا حدث آخر أكثر غرابة!

دخلت علينا 2011 بحادثة كنيسة القديسين، تلك الحادثة الإرهابية المجرمة التي استهدفت الكنيسة وروداها ليلة الاحتفال بالسنة الجديدة، وكانت حادثة مروعة جففت التهانئ علي شفاهنا وقلبت فرحتنا بالعام الجديد لحزن والتفائل لقلق وترقب، منذ اللحظة الأولي لم أر الحادث مجرد حادث طائفي قصد مجموعة الأقباط، رغم أنه يبدو كذلك، لكنني أحسسته عملاً إرهابياً ضد مصر كلها دخل إليها من بوابة الفتنة الطائفية، من خطط لهذا الحادث الإجرامي كان يتصور أو يتمني أو ينتظر أن يتشابك الشعب في بعضه بكل الغل الطائفي العقائدي يمزق في وجه بعض البعض، لكن المصريين فطنوا للمكيدة التي يدفعوا إليها، المصريين كلهم، الحكومة والشعب والإعلام والصحافة فطنوا أنهم يدفعون لهاوية وكارثة بعمد، انتبهوا لخطورة ما حدث فتكاتفوا بمنتهي التعقل والذكاء وفي يوم قداس عيد الميلاد امتلأت الكنائس بالمسلمين يقفوا جنبا إلي جنب مع الأقباط يحتفلون بعيد الميلاد ورفعت أعلام الوطن فوق كل الأعلام وتوحدت البرامج التليفزيونية وقت القداس لتقدم احتفالية مصرية كبيرة مليئة بالضيوف والفنانين والأغاني تحت علم مصر، لم يكن التكاتف تلك المرة صورياً ولا ظاهرياً، لم يكن مزيفاً ولا منافقاً، وقتها بالذات تكاتف المصرييون من قلوبهم وفتحت ملفات كثيرة مغلقة أو منسية وأجمع الكثيرون علي ضرورة مناقشتها ومراجعتها، التطرف الديني، المواطنة، بناء دور العبادة و.... حزننا وبكينا وتمزقت قلوبنا علي الدم المصري الذي سال في تلك الجريمة بصرف النظر عن ديانة صاحبه لكننا وبمنتهي الوعي والبصيرة أفلتنا من الكمين الذي كنا ندفع دفعا له، نحن الوطن مصر!

وقبلما نفيق من هول الوجع والصدمة، وقع حادث سمالوط، ذلك الرجل الذي دخل القطار أطلق رصاصاته العشوائية فأردت بعض الأقباط قتلي، لم أر الجريمة طائفية، فالرجل لا يعرف الضحايا وكل الشهود أجمعوا - حسبما نشر في الصحف - أن الرصاص كان عشوائيا، لكن البعض صمم علي أنها جريمة طائفية قصد منها قتل الأقباط وأنها حلقة من مسلسل الاضطهاد بل وتجرأت إحدي الصحف الخاصة في طبعتها الإنجليزية علي الإنترنت لتنشر - كذبا - أن القاتل كان يبحث في أيدي ركاب القطار عن الصليب الأزرق ويردي من يجده موشوما علي ذراعه قتيلا، كذب مقصود وعمدي لاستثارة الغضب، فليس معقولا أن تنفجر الكنيسة ولا تنفجرون أنتم المصريين، فلا بد من دفعكم للهاوية للغضب للانفجار ولو كان بخبر كاذب متفبرك حقير سيأتي أثره المنشود من تفجير الغضب في النفوس ثم ينسي!

ومع هذين الحدثين، خرج علينا بابا روما بتصريحات مستفزة تتعامل مع مصر دولة الحضارة والتاريخ وكأنها قاصر تحتاج للوصاية والرقابة فإذ به يتكلم عن حماية حقوق الأقباط في مصر، بلهجة استعمارية متعالية وكأنه اللورد كرومر وقت الاحتلال الانجليزي لمصر، ويا قداسة البابا لا تدس أنفك في شئنا الداخلي ولا تمس سيادتنا بأقوالك و.... سحبنا السفيرة المصرية لدي دولة الفاتيكان للتشاور أو الاحتجاج أو لتوصيل رسالة دبلوماسية واضحة، نحن لا نقبل التدخل في شأننا الداخلي تحت أي مسمي أو أي مبرر! وسرعان ما يفصح ساركوزي عن قلقه علي أحوال الأقباط في مصر، هنا لا يتحدث ساركوزي باسم فرنسا الدولة العلمانية المدنية راعية الحريات وإنما يرتدي الخوذة والدرع اللتين كان يرتديهما الملك ريتشارد قلب الأسد وقتما أحضر الملاحين والحطابين والفلاحين من أوروبا ليغزو الشرق، وتحتج الخارجية علي تصريحات ساركوزي ويرد عليه الكثير من المصريين يناقشون مقولاته ومخاوفه منتبهين لمصريتهم والمكائد التي تحاك حول وطنهم واستقراره ووحدته حتي لو كانت تلك المكائد والمؤامرات الاستعمارية الحقيرة ترتدي ثوب ولافتات حقوق الإنسان ورعاية الأقليات!

كل هذا حدث في بضعة أيام من السنة الجديدة، حادثة كنيسة القديسين، التفسيرات المتعسفة لحادثة قطار سمالوط، تصريحات بابا الفاتيكان، تصريحات ساركوزي، هل كل هذا محض صدفة؟! لا أعرف من الذي ارتكب جريمة كنيسة القديسين، وليس مهماً من ارتكبها إلا من وجهة النظر الجنائية، شخص أو تنظيم متطرف، مصري أو عالمي، قنبلة محلية الصنع أو مستوردة من الخارج، هذه كلها تفاصيل تهم سلطات التحقيق وأجهزة الأمن، عليهم يعرفوا من الجاني ومن خلفه ومن حرضه ليحموا المصريين من شرورهم وجرائمهم، لكن من الناحية السياسية المهم هو معرفة من صاحب المصلحة من تلك الجريمة، ما الأهداف والنتائج السياسية المرجوة من مثل تلك الجريمة ومن سيستفيد منها؟ من الناحية السياسية مهم جداً فهم من صاحب المصلحة في تلك الجريمة وأيضا قدر سطوته علي الأدوات التي استخدمها للتفجير والحرق، فهم العلاقة بين هذا وذاك في منتهي الأهمية بل هي مسألة أمن قومي لأنها جريمة تهدد أمن الوطن كله فلا يمكن النظر إليها نظرة جزئية صغيرة «جاني ومجني عليهم وحكم جنائي»، لا، هي مسألة تستحق من كل الجهات المعنية بالدولة فهم الأبعاد والخلفيات والحلول وكيفية الوقاية من تكرار ذلك الأمر مرة أخري! علينا الانتباه للاحتقان الطائفي وعلاجه لأن بوابة الفتنة الطائفية هي البوابة التي ستدخل منها في الفترة القادمة كل الكوارث التي تهدد أمن الوطن وأمن مواطنيه وتهدد وحدته شعبا وارضا!

نحن ندفع لطريق التهلكة من قبل اعداء لهذا الوطن وهذا الشعب، اعداء استقراره ووحدته وحضارته وثقافته ودوره الإقليمي.. وحين أقول نحن ندفع أقصد ما أعنيه، فأنا أومن جدا بنظرية المؤامرة وأومن أن هناك من له مصلحة لدفعنا لطرق ومسالك مهلكة وصولا لتحقيق أهدافه ومصالحه سواء الخفية أو العلنية، فعندما يعلن من يسمواننفسهم أقباط المهجر علي شبكة الإنترنت في الأسبوع الاول من هذا العام 2011 انهم سيسعون لإعلان وتأسيس دولة قبطية في مصر، لا يمكن أن أعتبر أن هذا الحديث هزلا ولا لغواً، سيما أنه إعلان يأتي بعد الحوادث الطائفية المتكررة وآخرها الإسكندرية.. يأتي بعد تصريحات البابا وساركوزي بضرورة حماية الأقباط المضطهدين، ويأتي بعد الاستفتاء علي انفصال جنوب السودان كدولة علمانية مسيحية عن دولة مسلمة في الشمال!

نعم احتاجت السودان ثلاثين سنة من اللحظة التي حكم فيها البشير بالشريعة الإسلامية - حسب زعمه - وقطع ايدي السارقين وحتي اصبح هناك دولة مسيحية علمانية يستفتي الشعب علي انفصالها، خلال الثلاثين سنة، صرخ المسيحيين السودانيون ومعهم المنظمات الدولية كلها المعنية بحقوق الانسان احتجاجا وغضبا علي اضطهاد المسيحيين وقطع ايديهم وتطبيق الشريعة الإسلامية عليهم، وكان صراخهم حقا يصف مأساة كلنا رفضناها، لكننا وقتها لم ننتبه أن ما يحدث ليس الا حلقات من مخطط منظم تقاد له السودان، فالبشير لم يراجع نفسه أو يتراجع واستمر يطبق الشريعة الإسلامية- حسب تصوراته - واستمر المسيحيون يصرخون ويستنجدون بالمجتمع الدولي، وسرعان ما اندلعت حرب أهلية مات فيها ملايينا سوداني وتشرد وجرح اربعة مليون ومرت ثلاثون سنة حتي اصبحت دولة الجنوب العلمانية المسيحية جاهزة للانفصال!!! وحين تنفصل تلك الدولة العلمانية المسيحية عن السودان الشمالي المسلم، ستكون اولي الدول الدينية الطائفية التي توجد في المنطقة التي كان اسمها قديما العالم العربي لكن امريكا اعدت له خريطة جديدة أسمتها "خريطة الدم" لاعادة تقسيمها لكانتونات طائفية وعقائدية ومذهبية، لينسي هؤلاء انتماءهم جميعا للعرب ولينسوا وحدتهم ومصيرهم المشترك وليتشرذموا في دويلات متطاحنة علي اسس دينية وعقائدية وطائفية، سنة وشيعة، أقباطاً ومسلمين، اكراداً وعرب وبربراً واهل النوبة!

لماذا أتحدث عن السودان الآن، لأن الاستفتاء علي انفصال الجنوب أيضا كان في بداية هذه السنة الغريبة !! ولان دولة الجنوب كانت فكرة مجنونة لم يصدقها احد من ثلاثين سنة لكنها اليوم صارت حقيقة !!! ولان الدولة القبطية التي يقول عنها أقباط المهجر هي فكرة مجنونة لا يقبلها ولا يصدقها احد، لكننا لو لم ننتبه لحجم المكائد والكوارث والجرائم التي تحاك حولنا والاستفزاز والتطاحن والتلاسن الطائفي العقائدي الديني ولو لم ينتبه كل منا بمنتهي الوطنية لما يقوله وما يفعله في هذا الوطن ربما يأتي يوم أحمد الله انني لن أعيشه ربما بعد خمسين أو مائة سنة تعلن فيها الدولة القبطية في مصر انفصالها عن الدولة المسلمة فيها! فتكون الهزيمة النكراء للوطن وكل ابنائه ابتداء من مينا الذي وحد القطرين من سبعة آلاف سنة حتي اصغر رضيع لا يفهم شيئا بعد، ستكون الهزيمة النكراء لهذا الوطن الهزيمة لحضارته وتاريخه وثقافته ولدوره الاقليمي في المنطقة التي ستتحول لكانتونات طائفية عقائدية في نفس الوقت الذي تتوحد فيه أوروبا وتصيغ كيانا اقتصاديا سياسيا ضخما اسمه أوروبا الموحدة، في نفس الوقت يخرجون لنا من الادراج خريطة الدم لتقسيم المنطقة وشرذمتها طائفيا وعقائديا ودينيا.

إنها سنة غريبة 2011 ... وكأن فيها انطلقت علامة البدء لمخطط شرير لا أعرف أبعاده بالضبط علي الوطن وامنه واستقراره ووحدته وامن مواطنيه ووحدتهم !!! هل ابالغ هل أهذي؟! أتمني !!! هل ما أقوله لن يحدث ابدا؟! اتمني !!! مع هذا انا احذر وأنبه وألفت انظار ابناء الوطن أن «خريطة الدم» تنتظركم ما لم تتوحدوا وتنتبهوا لأهمية وحدة وطننا ووحدتنا الآن وغداً وحتي نهاية الحياة! وما زال للحديث بقية!

مقالي المنشور في جريده روز اليوسف اليوميه 23 يناير 2011

ليست هناك تعليقات: