الاثنين، 17 يناير 2011

لم يعجبني الفيلم !!!!أ


فتحت التليفزيون قتلاً للملل وللوحشة، أبحث عن أي متعة عقلية وذهنية تروح عن النفس كل ما يحيط بها من أحداث ساخنة كئيبة موجعة، قررت أفر من استفتاء تقسيم السودان وتمزيقه وفصل الجنوب عن الشمال، وأفر من جريمة سمالوط وأحزانها، وأفر من انتظاري الحكم في جناية مقتل الأقباط في نجع حمادي، أفر من مظاهرات تونس والجزائر، أفر من تصريحات أقباط المهجر والدولة القبطية التي يقولون، وهماً وجنوناً، إنهم سيعلنونها في مصر، أفر من استفزازات ساركوزي وبابا الفاتيكان بشأن أقباط مصر وتصريحاتهما الصليبية التي تذكر بأجواء قرون بعيدة احتلت فيها الأراضي بحثاً عن كنوز الشرق تحت رايات الصليب التي ترفرف فوق رؤوس الجنود الغازين، أفر من البيانات اللقيطة علي الإنترنت تهاجم الأقباط وتتوعدهم وكنائسهم، أفر من السنة الجديدة التي دخلت علينا ساخنة بأحداثها المتلاحقة لا نكاد نلتقط أنفاسنا حتي تقطعها مرة أخري بحدث أكثر سخونة ووجعاً وهماً.


فتحت التليفزيون اتمني شيئا يشحذ بقايا الأمل في روحي وينبت أي زهرة في قواحل الصحراء التي تحتلني وكل هذا الهم يحيطني ويوجعني، ربما طمحت لبرهة قصيرة في مشاهدة فيلم أو برنامج يسعدني! نعم فالسعادة حق مشروع للجميع، ولا بأس من البحث عنها في أي مكان ولو كان التليفزيون لو أغلقت كل السبل الأخري في وجهه!

تنقلت بين قنوات الأفلام العربية المشفرة والمفتوحة، أبحث عن شيء لا أعرفه بالضبط، أتمني أن أعثر علي ما يصالحني ولو مؤقتا علي الدنيا الكئيبة التي تحاصرنا بهمها، واهمة أنا! أستجير من الرمضاء بالنار.. وكأن كل الهم الواقعي الذي يحيط بنا لا يكفينا! طبعا لا أبحث عن فيلم تافه مبتذل وضحكات قسرية لا تضحك، لا أبحث عن شيء يستخف بعقلي ومشاعري مثلما يفعل الكثير من الأفلام، كنت أبحث عن ومضة إنسانية دافئة تذكرني بإنسانيتي وتشحذ الأمل فيها وتقويها في مواجهة الحياة، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

وجدت فيلماً تمثل فيه ريهام عبدالغفور وباسم السمرة وحنان مطاوع وآخرون لا أعرفهم، فيلم تدور كل أحداثه في "الغابة" وهذا هو اسم الفيلم.. أطفال تعيش في الشارع تشم "كولة" وتتراشق بالمطاوي، أطفال فارة من أسرها لأسباب لم يقلها الفيلم، ربما أحدهم مخنوق أو تساء معاملته.. يعيشون في الشارع بين القمامة وتحت الكباري، يرتكبون الجرائم ويفرون من البوليس ويتعاونون معه ويتحولون لمرشدين له، يبلغون عن بعضهم البعض.. بنات فارة من أسرها، من تعمل في الدعارة ومن تحتمي ببلطجي... من تحمل سفاحا طفلا تحلم بتعليمه، مشاجرات بين الفتيات تنتهي بتمزيق وجه إحداهن، داعرة بوجه ممزق ينفر منها الزبائن، تعرض جسدها عليهم وتسرقهم من أجل جمع مال لعملية تجميل ترفع عن وجهها العلامة التي توصمها، تسرقهم وتقتل أحدهم وتختفي.. لا أحد يعثر علي الجثة ولا يطاردها، فالقتل سهل والدعارة أسهل وشم المخدرات ممكن والكولة متاحة للأطفال الصغار الفارين من أسرهم. "الغابة" أطفال وفتيات وشباب يعيشون في "الخرابات وبين سيارات الخردة"، يدخنون المخدرات والكولة ويتضاربون بعنف ووحشية، جنازير.. مطاوي.. سنج، ضرب ودماء كثيرة، أب يغتصب ابنته في مشهد قبيح منفر، فتسيل دماء عذريتها بين يديه فتفر منه وتعرض جسدها علي مجموعة من الشباب ليتكاتفوا ويقتلوه، لكن أخاها الصغير يقتل أباه بدلاً منهم، بلطجي يضرب عاهرة لسرقة مالها الذي أدخرته لعملية التجميل، يضربها ويسرقها ويبصق عليها، بعضهم يوشي بالبعض الآخر لدي البوليس، ضابط بوليس مرتعش يقبض علي بلطجي ثم يفر منه ويطلق عليه رصاصاً لا يصيبه، فتيات أنيقات يركبن سيارة فارهة، أعضاء في جمعية لرعاية أطفال الشوارع، يذهبن حيث هؤلاء الأطفال بملابس أنيقة رائعة تبرز أنوثتهن وجمالهن، ينزلن من سيارتهن الفارهة التي تمنحها الكاميرا كادراً خاصاً ربما للسخرية من هؤلاء الفتيات المرفهات اللاتي يتمنين دخول الجنة فيوزعن ملابس جديدة علي الأطفال الذين يسخرون منهن مرة ثانية - هم وصناع الفيلم - ويبيعون تلك الملابس ويجلسون علي القهوة بثمنها، يتفرجون علي التليفزيون.

سيدة وزوجها تصل إلي مقلب الزبالة بصحبة أمين شرطة بحثا عن خاتمها الماسي الذي ألقته خطأ في الزبالة، تعرض مكافأة تافهة عشرة جنيهات لمن يحضر لها الخاتم، يدفعها السيناريست وهو يتمني من الأطفال أن يعثروا علي خاتمها، يدفعها لسبهم وشتمهم و"إيه الأطفال دي، دول لازم يحبسوهم ويموتوهم" فيعاقبها أحد الأطفال بإلقاء خاتمها الماسي الثمين في النهر ويستمر مسلسل العنف الدموي، ضرب بالجنازير، أحدهم ربط صديقه تحت عجلات القطار، المطاوي والسنج تسطع طيلة الأحداث.

وسيلة واحدة للحياة، وتنتحر العاهرة بما قتلت وسرقت وسُرقت وعجزت عن محو وصمة الهوان عن وجهها، ويقتل الصغير أباه في مشهد وحشي فتبكيه الأخت المغتصبة ويفرا تاركين الجثة بدمائها في منزلهم، الشرطة منشغلة بمطاردة الأطفال ولا تنتبه لكل جرائم القتل التي ترتكب طيلة الفيلم، قتل الأب علي يد ابنه، قتل الزبون علي يد العاهرة، وكأن الفيلم يقول إنهم يستحقون القتل، وينتهي الفيلم بمجموعة من المشاهد الدموية المتلاحقة، بلطجي يضرب بلطجياً آخر ويكاد يقتله بحثا عن حقيبة ومال، سيدة حامل تحت تأثير الضرب والعنف تدله علي الحقيبة فيضربها في بطنها بسنجة تشقها وتخرج الجنين قتيلا منها، يدفنون الصغير في قماشة بيضاء ملوثة بدمائه حتي لا ينسي المشاهد ما الذي يراه، الطفل الذي قتل أباه وأمه وأخته يجلسون علي ربوة المقطم ينتظرون شيئاً لم أفهمه جديا، يتغزلون في القاهرة الجميلة ليلا ويتمنونها جميلة بالنهار مثلما يرونها، فجأة تنقض عليهم عصابة بحقائب فضية وسيارات وضرب و.... في النهار نراهم صرعي قتلي، موتي، منزوعة أعضاؤهم والبوليس أمامهم يثبت حالتهم قتلوا علي يد عصابة نزعت أعضاءهم و............ ينتهي الفيلم! وبقيت مكاني أحدق في شاشة التليفزيون، أسأل نفسي ليه؟ ما الذي يهدف إليه صناع ذلك الفيلم، تسليط الضوء علي مشكلة أولاد الشوارع ، تسليط الضوء علي مشكلة زني المحارم واغتصابات البنات؟ ما الذي يهدف إليه صناع ذلك الفيلم، تنبيهنا إلي أن مجتمعنا وحياتنا صارت مثل الغابة، القوي يقتل الضعيف ويستبيحه؟ تنبيهنا لكل العنف الموحش الذي يحيطنا في صدور أطفال وفتيات لن يتورعوا في أي لحظة عن القتل إذا لزم الأمر! لم يعجبني الفيلم، ورأيته قبيحا موحشاً، من حق صناع الفيلم أن يعملوا فيلمهم كما يعجبهم ومن حقي أقول إنه لم يعجبني ولم أحبه، بل ومن حقي أن اختلف معهم في رؤية الواقع وفهمه وهذا موضوع آخر.

انتهي الفيلم فتذكرت أفلاماً كثيرة جميلة أسعدتني وملايين المصريين سنوات وسنوات، أفلاماً مات صانعوها وتركوها لنا دررا ثمينة تسعدنا وتستجلب لهم الدعاء والحب كلما شاهدناها.. وقضيت بقية الليلة أترحم علي عاطف الطيب وأفلامه الواقعية، أترحم علي صلاح أبوسيف وأفلامه الواقعية، أتذكر يوسف شاهين والأرض وأبتسم سعادة بذلك العمل الجميل، أتذكر فيلم الصعاليك لداود عبد السيد، أتذكر الهروب وضد الحكومة لعاطف الطيب، أتذكر أحلام هند وكاميليا وزوجة رجل مهم لمحمد خان، أتذكر غيرها من أعمال كثيرة جميلة لن تمحي
مهما طال الزمن من وجدان وعقل المصريين، إنها تلك السينما الواقعية المليئة بالفن والجمال والإبداع والخيال ... ويا ليتني لم أفتح التليفزيون أساسا!

مقالتي الاسبوعيه منشورة بجريده روز اليوسف اليومية الاثنين 17 يناير 2011

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=100721


هناك تعليق واحد:

Mafrousa يقول...

بذمتك يا شيخة حد يتفرج على افلام عربي فى الزمن اللى احنا فيه ده؟؟؟؟
ديه بقت موضة ان الافلام تبقى منحطة الاخلاق و المشاهد و اللفاظ
و كله يقولك ما هو المجتمع فيه كده
وقال ايه الفيلم له رسالة
افلام تفرس من ممثلين تفرس على مخرجين يفرسوا