استمع كثيرا ل " كلام " الناس واحاديثهم في الشارع في قهوه في حجره المحامين بالمحكمه في عياده الطبيب عند الكوافير في مطعم علي البحر امام باب السجن في النادي علي موائد الافراح في سرادقات العزاء في برامج التلفزيون في محطات الاذاعه في مصعد مستشفي علي سلم مبني خبراء وزاره العدل علي عربيه سندوتشات في الشارع مع سائقي التاكسيات مع صديقات امي ، استمع لاحاديث ناس مختلفه في اماكن مختلفه في اوقات مختلفه ، انصت لما يقولون سواء كان يتحدثوا معي او يتحدثوا مع بعضهم البعض - بصوت عالي لا يمكنني تجاهله - في حديث لايخصني .... انصت لكلام الناس لاني احس مشكله اومشاكل تدور في نفوس الجميع لايعبروا عنها لا يخوض احد فيها لاخرها ولايعرف حدوها ، كل ماهناك ان الناس تعبر عن افكارها ومشاعرها بشكل مشوش متقطع عبارات وكلمات متناثره لا تفصح بذاتها عن مايشغل بالهم وعقولهم ، انصت للناس في محاوله مني لفهم مالذي يشغل بالهم مالذي يوغر صدورهم علي الحياه الي هذا الحد ، مالذي يعتمل في نفوسهم من عوامل تدفعهم وتحرضهم لمثل تصرفاتهم اليوميه الشخصيه والعامه التي اقف امامها كثيرا لاافهم مبررها ولا تفسيرها !!! انصت للناس لاهتم بهم وبحياتهم واهتم بالوطن وشئونه ومستقبله !!! ومشاعر الناس ورغباتها وافكارها واحلامها تؤثر وستؤثر علي حال الوطن الان وغدا وبعد الغد !!!!
بالطبع هناك من العوامل الشخصيه مايؤثر في حياه الناس وعلي امزجتهم ونظرتهم - مؤقتا او بشكل دائم - للحياه ، ظروفهم ابناءهم زواجهم اعمالهم احوالهم الاقتصاديه حالتهم الصحيه ، كل هذا يؤثر فيهم ، فمن يستيقظ صباحا " ضرسه بينقح عليه " او " صباعه مدوحس " يؤثر ذلك الالم علي يومه وعلي قرارته وعلي شكل ونوعيه تفاعله مع الاخرين ومع الحياه ذاتها ومن يستيقظ " قرفان " لان زوجته " النكديه " احتفت به احتفاءها الصباحي المعتاد فخرج من المنزل "مخنوق " هائما علي وجهه عصبي متوتر يبحث عن من " يفش غله فيه " يظل اسير تلك الحاله المزاجيه السيئه طيله يومه فلايراه الا يوم " زفت " مهما حدث فيه ، ومن يصل عمله متآخرا لانه " خم نوم وسهر قدام الدش طيله الليل " يستقبل الجزاء الاداري الذي يوقعه عليه رئيسه بغضب لايقف عند حدود الواقعه ذاتها بل يتسع ليشمل " ماهوانا ماليش ضهر ، ماهي بلد باميه ، ماهي المواصلات زحمه ، يلعن ابو العيشه واللي عايشينها " ومن "يعد " النقود التي في جيبه ويكتشف انها لن تكفيه لاخر الشهر لا يفكر في اوجه الانفاق التي بدد فيها امواله - مهما كانت ضئيله او قليله - ولايراجع سلوكه الشخصي و " لا يحسبها صح " بل يصب جام غضبه علي "الحكومه والحزب الوطني والازمه الاقتصاديه وارتفاع سعر البنزين واوباما واسرائيل والحظ " والف مليون سبب اخر !!! لذا كثيرا ما تتحدث مع اخر وبعد ان ينتفض ويرغي ويزبد وبعد ان ينفعل ويصرخ لاتفهم بحق " ماله ؟؟؟ " ... وقد لاحظت - واقول لاحظت - ان الناس في مصر واخص بحديثي الطبقه المتوسطه المصريه بجميع شرائحها من الدنيا والتي ادني منها للعليا والتي اعلي منها ، تعودوا علي " ضرب القفه في المقطف " فتري الانسان منهم قاطب جبينه " مكشر" وعندما تسآله " مالك " تنهمر شكواه فوق راسك خليط من الف مليون سبب ربما المرور وازدحامه ربما " الفلس " ربما الاحباط العاطفي ربما " الحكومه وعمايلها " ربما " الزوجه النكديه او الزوج المستهتر او الحما الحشريه " ، ربما " العيال الزفت " ربما الف مليون سبب اخر فلاتفهم من حديثه شيء مفيد فتكدس وتراكم المشكلات التي "يكومها " فوق راسه ورآسك لا تقول الا شيئا واحدا انه " غاضب متذمر حانق " ولايعرف بدقه السبب !!! وطبعا الامر لا يخلوا في معظم الاحيان من حديث في "السياسه " واقصد هنا توجيه الانتقادات العنيفه لكل شيء واي شيء ترديدا في معظم الاحوال لما يسمعوه ويقرآوا في الاعلام المرئي والصحافه المكتوبه من " مدرسه مجرمه ضربت عيل " ، " دكتور باشا يعني موت عيان غلبان " ، " القاضي حبس الراجل ظلم " ، " الحزب الوطني وقطن التنجيد " ، " اصل رغيف العيش " ، " رمضان داخل بسرعه والبلح غلي " واحيانا تحس ان من يحدثك لايعرف في حقيقه الحال مشكلته بل ولا يرغب في بذل مجهود لفهمها فدائما هناك الف شماعه تبدآ من "الحكومه" وتنتهي "بالحر" جاهزه لالقاء كل المشاكل واسبابها عليها ونتيجه لها ، وهو منهج عبثي لايؤدي بالطبع لحل اي شيء فهو لايفهم مشكلتك ولن يعرف حلها لكنها تحتله وتفسد مزاجه وتزيده حنقا وتذمرا و" بس خلاص" !!!!
وكثيرا ماادخل مع اخر في حوار اتصوره حوارا جديا ، نناقش مشكله شخصيه ، قضيه عامه ، حال الدنيا ، فاجادله بمنتهي الجديه املا في معرفه ماذا به وسبب حنقه وغضبه وتوتره لكنه لا يبادل جديتي الا بعبث مقصود سخريه مريره " تريقه " افيهات من افلام هابطه كل هذا مجدول بحنق بتذمر بعصبيه ، احاصره في خانه " انت عايز ايه " لكنه يفر مني " مش عايز حاجه " وكنت قديما اظن ان محاوري بارع يكر ويفر في المناقشه عامدا لكن الايام اثبتت لي للاسف انه في حقيقه الحال " مش عايز حاجه " او " مش عارف هو عايز ايه " والامر لايعنيه فقط هو متذمر حانق متوتر متضايق فيتحدث ويتحدث ويتحدث ثم لا يفعل شيئا ولا يفهم شيئا ولايغير شيئا و " ضربوا الاعور علي عينه قال مخزوقه مخزوقه !!!!" وكثيرا افكر في انهاء مثل تلك الحوارات الاعصاريه الغاضبه المليئه بالسخريه والمراره مع محدثي المحتقن التي لااخرج منها بشيء محدد بعباره استفزازيه " انت بتهزر وانا باتكلم جدا " لكني اؤثر السلامه واصمت فحديثي الجدي لن يجدي معه وحديثه الهزلي لم يروح عني ولم يضحكني بالعكس يملآ نفسي بالوحشه لان الناس تدور في دوائر مفرغه لا تنقذها شخصيا ولا تحسن حياتها ولا تخمد شكاواها وفي الاساس لا تمنحي اسئلتي المفتوحه اجابات شافيه ولا تغير انطباعاتي عن تردي احوال الناس وحياتهم !!!
ويعزي البعض - اعني بعض القوي السياسيه المنظمه شرعيه كانت او غير شرعيه - في استسهال مقيت حال الناس في الوطن لامور السياسه وانعاكسها علي حياتهم اقتصاديا واجتماعيا !!! ويفسر حالتهم المزاجيه وتوترهم باعتباره نوع من المعارضه السياسيه للحكومه وانهم - اي المواطنين - يعارضون الحكومه وغاضبين من سياساتها وان هذا هو السبب في حال المواطنين وماآل اليه ، بل ويعتبر هؤلاء ان كل انتقادات يتفوه بها اي مواطن في اي مكان هي في حقيقتها رصيدا لصالح وجودهم السياسي ودليل علي نجاحهم في استنفار المواطنين ضد الحكومه التي لاتعجب هؤلاء السياسين لاسباب مختلفه !!!! بل ويعتبر هؤلاء السياسين - علي اختلاف وتناقض رؤاهم وبرامجهم السياسيه وتصوراتهم للمستقبل ان هؤلاء المواطنين - علي بعضهم - جنودهم واصدقائهم ومريديهم والعاطفين عليهم ومعهم ورصيدهم الانتخابي وطريقهم لتبادل السلطه .... لكني اختلف مع كل هؤلاء ومع قراءتهم للواقع !!!! فمانحن فيه ليس الا تذمرا فبعض الشعب - ولا اقول معظمه ولااقول كله - متذمر تذمرا عشوائيا ولايمارس المعارضه السياسيه !!! وشتان الفارق بين التذمر وبين الاختلاف السياسي في السلوك وفي النتائج !!! فمعظم الشعب لايحمل بطاقات انتخابيه ولن يحمل ولا يذهب لصناديق الانتخاب ولا يؤمن اساسا بتداول السلطه ولايؤمن بحق الاخر - المختلف سياسيا او عرقيا او دينيا - في الوجود ويعتبر ان السياسيه ليست الا لعبه انتهازيه للاستفاده وجني المكاسب الشخصيه ويجلس بعيدا عنها وعن رجالها و" ابعد عن الشر وغني له " !!! معظم الشعب منبت الصله بالاحزاب والحركات والتيارات السياسيه وينتقدها ويبتعد عنها ولايعرف برامجها السياسيه ولا يعرف قادتها وليس لديه استعداد لمنح تلك الاحزاب السياسيه وقته او جهده او تضحياته او حتي صوته الانتخابي و" احمد زي الحاج احمد " !!! معظم الشعب بعيد عن منظمات المجتمع المدني والجمعيات الاهليه والجماعات عموما لايؤمن بالعمل الجماعي ولايري فائده منه بل وله راي قاسي - للاسف الشديد - في النشطاء والمخلصين من المتطوعين والعاملين في تلك المنظمات !!!
لكن في نفس الوقت بعض - ولا اقول كل ولا معظم - الشعب ينتمون اساسا لجماعه المتذمرون هؤلاء البشر المتفرقون عن بعضهم البعض الحانقون من كل مايحدث حولهم الغاضبون مما يعيشون فيه تسمعهم ينتقدوا الجميع حكومه ومعارضه نواب وتنفيذين موظفين ورجال شرطه اعلام وصحافه ينتقدوهم لانهم ينتظروا منهم مالا يعرفوه ، ينتظروا منهم حل مشاكلهم بعصا سحريه وتغيير واقعهم وتحسينه لاخر لايعرفوا ملامحه لكنه يختلف عما يعيشون فيه وحتي يحدث مالا يعرفوه ويتحقق فهم غاضبون حانقون متذمرون و" بس خلاص " انهم اناس ليس لديهم رؤيه للمستقبل وليس لديهم حلم يسعون لتحقيقه وليس لديهم انتماء سياسي لجماعه او حزب ، ليس لديهم برنامج مطلبي محدد يسعون لتحقيقه او يطالبون بتحققه لكن حانقون علي كل ماحولهم يعرفوا جيدا ملا يعجبهم لكنهم لايعرفوا ولايكلفوا انفسهم عبء معرفه ماذا يعجبهم ومالذي يرغبون فيه وكيفيه الوصول اليه وكيفيه تحقيقه ، اذا اصغيت لاي منهم كسر راسك غضبا وحاصرك بانتقاداته لكل ظواهر الحياه لايري شيئا ايجابيا يستحق الذكر ولا شيء يستحق التحيه لكنهم في معظم الوقت لا يعجبهم كل مايروه وكل مايعيشوه فيه يصبوا جام غضبهم علي الحكومه - اي حكومه وكل حكومه - وينتقدوا اي قرارات لها اشتراكيه كانت او رآسماليه وفي نفس الوقت لايؤمنوا او يصدقوا حتي رجال الاحزاب والمعارضه السياسيه وينتقدوهم ويروهم مثلهم مثل الحكومه يلعبوا لعبه تبادل الكراسي واي منهم - اي من رجال المعارضه لو تمكن - لن يفرق سلوكه العام والشخصي عن كافه السلوكيات التي ينتقدها الان ويستشعر الغضب منها ايضا ، انهم المتذمرون الحانقون وقود الحريق المرعب الذي يسعي الكثيرين لاشعاله في ثوب الوطن فعدم الاكتراث واليآس تملك نفوسهم والاحساس بعدم الجدوي احتل ارواحهم وعقولهم ورآيهم ان - مافيش فايده - انهم البشر دائمي الانتقاد الذين اذا سآلتهم عن احلامهم احتاروا وعن امنياتهم صمتوا وعن تصوراتهم للمستقبل ارتبكوا فهم لايعرفون ماذا يريدون لكن يعرفون ان مايحدث لا يعجبهم !!! حتي لايعرفون لماذا لا يعجبهم !!! متذرون وكفي ، حانقون وفقط !!!
واكم من بشر يجتمعون علي انتقاد ظاهره ما قرار اقتصادي مسلك شخصي ظاهره اجتماعيه ، ينتقدوا جميعا بمراره وغضب وحنق وحين تناقش كل منهم عن اسباب انتقاده اختلفوا وتناقضوا وحين تسال كل منهم عن رايه في علاج تلك الظاهره او بديل ذلك القرار صمتوا ارتباكا ، انهم المتذمرون !!! يخلطون مشاكلهم الشخصيه بالمشاكل العامه ويعلقوا كل السلبيات علي شماعه اخري ، هؤلاء البشر اللذين استولت برامج الفضائيات علي عقولهم وخطفت العناوين البراقه للصحف الصفراء انتباههم وانهكت مشاكل الحياه وصعوباتها ابدانهم وارواحهم فاذ بهم دائمي النقد مدمني الانتقاد بلا بديل بلا رؤيه بلا هدف بلا استعداد حقيقي للمشاركه السياسيه او بذل الجهد للتغيير الاجتماعي او حتي استخراج بطاقه انتخابيه !!!! نعم نعيش في مجتمعنا مشاكل عديده سياسيه واقتصاديه واجتماعيه نعم تحاصرنا ظواهر سلبيه كثيره انعدام الديمقراطيه الحقه رآسماليه متوحشه بلا عداله اجتماعيه انحيار للاغنياء علي حساب الفقراء عنف مجتمعي متنامي اتساع الفجوه بين الطبقات وازدياد ثراء الاثرياء وازدياد فقر الفقراء قهر ٤٠ ٪ من المواطنين وبقاءهم تحت خط الفقر ارتفاع الاسعار وقله الدخول انتشار الفساد والمحسوبيه والوساطه لكن ذلك كله لم يسفر الا تذمرا مدمرا وحنقا متزايدا وعدم اكتراث بالحاضر وبالمستقبل فتلك المشاكل الحقيقيه التي يعيشها مجتمعنا لم تفرز سلوكيات ايجابيه في نفوس المواطنين بل افرزت حنقا سلبيا ورغبات عشوائيه في التغيير العبثي وغضب دفين بلا اتجاه وبلا هدف وبلا فائده !!!! وحتي يتحول البشر في مجتمعنا من مجرد متذمرين لاناس يسعون بحق للمشاركه والتفاعل وبذل الجهد للتغيير وحتي يعرفوا لماذا هم غاضبين وماهي احلامهم وماهو شكل المستقبل الذي يحلموا به ويسعون لتحقيقه حتي يحدث هذا سيبقي واقعنا مريرا ومستقبلنا غامض وغضبنا سيزداد اكثر واكثر بشكل عفوي عشوائي عبثي لا فائده منه ابدا !!!!
الفقره الاخيره - عندما سآل عادل امام الناس المتحجزين معه في مجمع التحرير في فيلم الارهاب والكباب عما يريدوه " والحكومه تحت وحتسمعكم وتعمل اللي انتم عايزينه " ارتبك الناس وخافوا وصمتوا فهم لايعرفون حقا ماذا يريدون !!! وكان وحيد حامد مؤلف الفيلم والسيناريست في ذلك المشهد يشخص ويصف مشكله مستعصيه !!! وكان ابرع من كل الساسه والقاده والحزبيين !!! نعم " انتم عايزين ايه " سؤال بلا اجابه لكن غياب اجابته لم تنال من قدر الحنق والتذمر والغضب الذي يملآ النفوس .... الا يهتم احد في هذا المجتمع بمعرفه ماذا يريد الناس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجمله الاخيره - انا ايضا لااعرف ماذا يريد الناس !!! انا اعرف ماذا اريد وشكل المستقبل الذي احلم به وماهو الممكن وماهو غير الممكن لذا لست ساخطه ولا حانقه ولا متذمره علي العكس اعيش بالامل الذي يدفعني لفعل كل مااقوي عليه تقريبا للمستقبل الذي احلم به ....
السطر الاخير - لو عرفنا ماذا يريد الناس لصار لحياتنا هدفا ولجهدنا قيمه ولشعاراتنا مستمعين !!! اقول هذا للجميع حكومه ومعارضه حزب وطني واحزاب وتيارات المعارضه السياسيه !!! اقول هذا للجميع فهل يسمعني احد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه بتاريخ ٤ يونيو ٢٠٠٩
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق