اشعر انزعاجا شديدا لتكرار نمط " جرائم القتل المقترنه بجرائم السرقه " عن طريق دخول المساكن الخاصه ، فمنذ عده شهور استيقظ المجتمع فزعا علي جريمه قتل " هبه ونادين " الفتاتين اللاتي لقين مصرعهن علي يد شاب سارق دخل المنزل للسرقه وحين صادفهن - وهو يسرق مائتي جنيه وموبيل - انهي حياتهن ببساطه واتم سرقته وخرج من المنزل ملوثا بدماءهن ، وهاهي السيده الفاضله زوجه السيد المستشار مساعد وزير العدل مديره الائتمان باحد البنوك الكبري تفقد ايضا حياتها قتلا علي يد سارق دخل منزلها في وضح النهار مخططا لسرقتها حلا لمشاكله وسدادا لديونه وحين فتحت له الباب عاجلها بطعنات قاتله وسرق ما بغي سرقته ثم غادر المسكن وتركها خلفه جثه غارقه في دماءها ... انزعاجي من الجريمتين مبعثه الاحساس العام بعدم الطمآنينه التي استشري في المجتمع والشك الذي يتعامل به الجميع مع بعضهم البعض فالمجتمع لا يواجه مجرمين عتيدي الاجرام اصحاب سوابق ارتكبوا هذه الجريمه او تلك ، بل يواجه المجتمع ظاهره مستحدثه وهو قيام اشخاص من مواطنيه العاديين بارتكاب جرائم عنيفه مخيفه خروجا وانحرافا عن سلوكهم التقليدي المعتاد فكآن ظروف المجتمع الضاغطه واحواله تدفع المواطنين العاديين دفعا لارتكاب الجرائم بعد ان سدت في وجوههم كل الابواب الاخري ؟؟؟!!!!. فكل من القاتلين مجرد شخص عادي بلا سجل اجرامي دفعته الحاجه الاقتصاديه الملحه - حسبما قالوا في التحقيقات - لارتكاب مثل تلك الجريمه البشعه فالقاتل الاول عامل حرفي اقعدته البطاله عن العمل فقرر بعد ان اعيته الحيل وسدت امامه جميع الطرق المشروعه ان يذهب لحيث يقطن الاغنياء - كما صرح - في احد الاحياء التي عمل بها وتربص باحدي الفيلات متيقنا انه سيجد لديهم ما سيفك ضيقته الماليه ولم يتورع حين احس فشل مخططه في السرق واكتشاف امره لم يتورع عن انهاء حياه الفتاتين وقتلهما ، اما القاتل الثاني طباخ سرح من عمله وتراكمت عليه الديون فما كان منه الا التخطيط لسرقه المنزل الذي تعمل فيه زوجته خادمه منذ سنوات طويله وحين ذهب للمسكن وفتحت له السيده الفاضله رحمها الله الباب لم يتراجع او يخاف او يصرف الفكره من ذهنه علي العكس بادر بطعنها اصرار منه علي ارتكاب جريمته وكان ماكان !!!! واذا كانت الجريمه الاولي وقعت بعد منتصف الليل في احد الاحياء الجديده النائيه التي خاف سكانها - وسكان الاحياء المماثله - مما حدث فاوصدوا ابوابهم بالمزاليج الكبيره وركبوا قضبان حديديه علي نوافذهم وتشككوا في كل الغرباء وارتابوا فيهم بل ومنعوهم من دخول اسوار احياءهم بعد الخامسه مساءا فان الجريمه الثانيه وقعت في حي الجيزه العريق المزدحم بسكانه في شارع رئيسي كبري في عقارضخم مليء بالمترددين عليه في الساعه الثامنه صباحا في منزل السيد مساعد وزير العدل ، سارقين دخلا المنزلين يسيطر عليهما احساسا وحيد " لازم اسرق وياقاتل يامقتول " فالسرقه التي خططها لها ستنتشلهما من واقع كئيب عجزا بكل الطرق المشروعه الممكنه عن الفكاك منه او تغييره وحين تصور كل منهما ان سرقته ستفشل وانه سيعود لواقعه المفزع خالي الوفاض صفر اليدين " استبيعا " ولم يخافا القانون ولم يرتدعا باحكامه القاسيه ولم تمنعهما انشوطه الاعدام من اتمام ما خططا له وبدلا من السرقه فقط قتلا الفتاتتين والسيده الفاضله خوفا من اعاقتهما عن السرقه ومنعهما من اتمامها !!! وعلي الرغم من ان رجال الشرطه في الجريمتين بذلا جهدا مكثفا اثمر القبض علي الجناه القاتلين في وقت قياسي الا ان القبض علي هؤلاء القتله واحاله اوراق اولهما للمفتي قبل اعدامه عقابا له علي جريمته البشعه لم يشيع الطمآنينه في المجتمع الذي يضع كل شخص نفسه مكان الضحايا فترتعد اوصاله خوفا من مصير رهيب مثل الذي صادفته الفتيات الصغيرات او السيده الفاضله وقد تمني الكثيرين ان تكون دوافع القتل في الجريمتين شخصيه بين القاتل والضحيه كالانتقام او الثآر او رد الاعتداء ولو بشكل اجرامي منحط لكن دافع السرقه الذي اثبتت التحقيقات انه المبرر الوحيد لارتكاب مثل تلك الجرائم الدافع عليها قد افزع المجتمع فاحس كل من افراده انه بطل الجريمه الاتيه وانه هو شخصيا وزوجته وبناته واولاده وامانه الشخصي هم الضحيه القادمه فاذ بالرعب ينتاب الجميع وتزداد الشكوك والمخاوف ويتبدد الاحساس بالامان والطمآنينه وياله من احساس مروع مخيف !!!!! انزعجت من تلك الجرائم انزعاجا عنيفا وخافت ابنتي الصغيره ونامت في حضني واتصل بي ابي عده مرات " بس بطمن عليكي " وشككت في الخدامه التي تخدمني وصورت بطاقتها الشخصيه مره ثانيه وخفت من صبي البقال وصبي المكوجي وبائع الجرائد وفني تركيب الدش ومهندس الانترنت والشحاذ الصغير الذي اعطف عليه ومنادي السياره الذي ياخذ مفتاحها معه طيله النهار ومنعت ابنتي من طلب اي مآكولات يحضرها لها في غيابي شباب " الديلفري " وتلفتت حولي في الشارع حين سمعت خطوات سريعه خلفي وقبضت علي حقيبتي بقوه اخاف خطفها من يدي !!! فالناس في مجتمعنا لم تعد امنه !!! ومانراه حولنا ومانعيشه ينشر الخوف والفزع في حياتنا اكثر واكثر فانتشار الشحاذين في الشوارع يلاحقوا الماره بالسؤال ويكادوا يتشاجروا معهم اذا تجاهلوهم بل وتارهم يطرقون نوافذ السيارات بقوه وعنف يستجدون باستفزاز وكراهيه قائد السياره لمنحهم صدقه لايعطيهم لهم ، وانتشار جرائم السرقه وكسر المنازل في غياب اصحابها في وضح النهار حتي في الاحياء الشعبيه واحياء الفقراء ، وتكرار جرائم القتل المقترنه بالسرقه من اناس عاديين لم يجدوا امام مشاكلهم حلا الا الذهاب بارجلهم لحبل المشنقه ، والملامح المتجهمه علي وجوه البشر في الشوارع ، وازياداد اعداد العاطلين عن العمل من الشباب وتكدس المقاهي بالخريجين من الجامعات لايجدون من "يعبرهم" ويعبر بهم للمستقبل الغائم ، وسعي الشباب للغرق علي شواطىء البحار البعيده بحثا عن حلا للمشاكل المستعصيه التي لايجدون لها اي حل ممكن بمنطق " ياطابت يااتنين عور " وارتفاع اسعار الخدمات والسلع بشكل جنوني يهدد الطبقه المتوسطه بجميع شرائحها الدنيا والعليا بالفضيحه الاجتماعيه وانهيار سترهم واحترامهم ويخنق الطبقات الشعبيه الفقيره ويقتل احلامهم في الحياه الممكنه ، وغليان الغضب الدائم المتصاعد في صدور معظم المواطنين لايفهمون بدقه اسبابه الحقيقيه فتاره غاضبين من الحكومه وتاره غاضبين من الاثرياء وتاره غاضبين من الحياه وتاره غاضبين من قله حظهم وتاره غاضبين من ظروف عملهم وحياتهم وفي معظم الاحيان يكون الغضب من كل هذه الاسباب معا .. كل هذا يشير لخلل اجتماعي رهيب ويفصح عن مشاكل جسيمه متراكمه يعاني منها مجتمعنا كل يوم اكثر من السابق حتي يآتي يوما سينفجرذلك الغضب الدفين في وجوه الجميع عنفا مخيفا مروعا ترتعد له الاوصال وقتها و" القيامه تقوم !!!" لماذا ؟؟؟؟؟ لان المشكله التي يواجهها المجتمع اليوم ليست ليست مشكله امنيه يحلها رجال الشرطه مهما كانوا بارعين وليست قانونيه يحلها احكام رادعه وعقوبات جسيمه وفقط بل هي مشكله اخطر من هذا فالظروف الاقتصاديه الاجتماعيه الخانقه تفوق في تآثيرها الدافع لارتكاب الجرائم وتفجر العنف الشخصي والجماعي كل عوامل الردع التي يفترض ان يحققها القانون وسجونه وعقوباته الرادعه ، الظروف الاقتصاديه الاجتماعيه الخانقه الضاغطه واحساسيس الغضب المتراكمه داخل الصدور لدي الكثير من المواطنين اللذين يشعرون ان هذا الوطن ليس وطنهم وان خيره لايعود عليهم وان ثراءه واثرياءه يسرق اللقمه الرخيصه من افواههم الجائعه هي الدافع الرئيسي والاساسي بل والوحيد الذي يخلق وينشر مثل تلك الجرائم فمالذي يدفع مثل هؤلاء الرجال "العاديين " لارتكاب مثل تلك الجرائم هل الفقر هل تراكم الديون هل البطاله هل الفجوه الطبقيه الواسعه بين طبقه الاغنياء شديدي الثراء اللذين يستمتعون بثرائهم ويتباهون به طبقه تشكو من انخفاض سعر الاسترليني وعدم ثبات سعر اليورو وتآكل السيمون فيمه ولحم النعام وكبد الاوز وتشتري فيلات وقصور فارهه بفوائض اموالها في الساحل الشمالي والجنوبي والتجمع الخامس والسادس وتلعب جولف وتتدلل في نوادي " السبا " وحمامات البخار وتصيف في مارينا وهاسيندا واسبانيا ولايكترثون بمشاعر بقيه افراد المجتمع حولهم مما شكل ضدهم مشاعر عامه من الكراهيه والحقد والغضب وبين الفقراء ومحدودي الدخل اللذين يحتلهم مشاعر موحشه من قله الحظ والنقمه علي الحياه التي حاصرتهم في تلك الخانات الضيقه لايعيشون حياه ادميه مقبوله في مجتمع يتباهي في اعلامه - الذي تسيطر عليه الاعلانات التجاريه - بملاعب الجولف والقصور المعلقه علي الجبال وحمامات الجاكوزي والسيارات الفارهه والحج السياحي الذي يمحي الذنوب بسبعين الف جنيه فقط ذلك المجتمع الذي يفخر بفيلاته الفارهه الرخيصه بتسعمائه الف جنيه فقط ويقترض رجال اعماله من البنوك ملايين الملايين ويفرون بلا عقاب وبلا محاسبه ويباع فيه لاعب الكره بمبالغ طائله وصلت لسبعه مليون جنيه بخلاف مرتبه الشهري الذي يقترب من خمسين وسبعين الف جنيه ودفع مهر لاحد نساءه المرموقات خمسه وعشرين مليون جنيه ويتعاقد فيه احد النجوم الكوميديين علي فيلم سينمائي باجر يصل لسته مليون جنيه وتتجاوز اجره الراقصه الشهيره عن نصف ساعه رقص في الافراح الراقيه لمبلغ مائه الف جنيه ، هل هذه الاسباب مجتمعه هي التي خلقت عنفا دفينا في النفوس يتفجر في وجه الجميع جرائم وشراسه وغضب !!! وياايها المهتمين بشآن هذا الوطن ومواطنيه ، ياايها المهتمين بهذا البلد وامانه ، ياايها المهتمين بالمستقبل القادم نتمناه امنا لاولادنا واحفادنا انتبهوا من فضلكم لما يحدث حولنا .. فالجريمتين البشعتين دقتا جرس الخطر ليوقظنا من سبات الغفله الذي نعيش فيه فلو ان المشكله آمنيه لطالبنا الداخليه بتشديد قبضتها علي الشوارع ونشر رجالها في الاحياء ولو ان المشكله قانونيه لطالبنا بتغيير القوانين وتشديد العقوبات وتنفيذ الردع القانوني لكن المشكله اخطر من هذا واعظم من ذاك انها مشكله اقتصاديه اجتماعيه مجتمع ينقسم وبسرعه لطبقه ثريه مرفهه يزداد ثراءها كل ثانيه في مواجهه بقيه طبقات الشعب التي تعاني ضيق اليد والخنقه وقله الامكانيات وفقدان الامل في الغد واغلاق ابواب الرحمه في وجوهها ... الجريمتين البشعتين دقتا جرس الخطر ليوقظنا من اوهام الطمآنينه التي نخدع انفسنا بتصور وجودها فالظروف الاقتصاديه والاجتماعيه التي يعيشها مجتمعنا والتفاوت الطبقي الرهيب الذي ينخر في عظامه كالسوس وازدياد الفقراء فقرا وازدياد الاثرياء ثراءا هذا كله لم يفرز ولن يفرز الا عنفا اجتماعيا رهيبا وجرائم متزايده ستقوض السلام الاجتماعي لهذا المجتمع وتهده فوق رؤوس الجميع اغنياء وفقراء ووقتها قولوا علي الدنيا السلام !!!! جرس الخطر دق ويدق فهل سينتبه احد ؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!! الفقره الاخيره - ان غياب العداله الاجتماعيه وحرمان الفقراء ومحدودي الدخل من الحدود الدنيا الانسانيه المقبوله الممكنه للحياه لن يسفر الاكوارث اجتماعيه وعنف رهيب فليس عدلا - هكذا يقول الفقراء - ان يعيش البعض في رفاهيه رهيبه وتعيش الاغلبيه في ضنك شديد تعاني في كل اوجه حياتها ، فاذا كان من حق الاثرياء ان يستمتعوا بثراءهم ويسعدوا به فمن حق الفقراء ان يآكلوا ويشربوا ويسكنوا في مساكن ادميه ويشربوا مياه نظيفه ويعالجوا بحق وترفع القمامه من حاراتهم ويجد اولادهم وظائف بمرتبات معقوله وبعد هذا من يلعب جولف يلعب ومن يصيف فوق الجبل يصيف ومن يشتري حمام ويطيره براحته !!!!! هل يفهم احد مااقول ؟؟؟ الجمله الاخيره - ان جرس الخطر تدوي دقاته في اذني تصمني ؟؟؟؟ فهل اسمعه وحدي ؟؟؟؟ هل يسمعه غيري ؟؟؟ اذن ماذا ستنفعل حبا في هذا الوطن ودفاعا عنه امنه وامان مواطنيه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟...
نشرت بجريده روز اليوسف بتاريخ ١٣ مايو ٢٠٠٩
نشرت بجريده روز اليوسف بتاريخ ١٣ مايو ٢٠٠٩
هناك تعليق واحد:
هايل يا أميرة ..! لقد عبرت بصدق و يقين تلقائي عما نشعر به جميعا. تصوري أني أفكر بجدية أن ألغي الإنتقال إلي حدائق الأهرام لأنها فيلا في الأدوار السفلي لخوفي أن يدخل أحد و يقتلني . أيضا كان وضعك للظاهرة في السياق الاقتصادي-الاجتماعي السائد والمرتبط بالاستقطاب الإجتماعي والفقر و التهميش للغالبية غاية في التوفيق. كله جميل بس خسارة إنه في روزاليوسف التي لا يقرأها من يعي هذا المنطق. في النهاية...
. Well done and go ahead
شهيدة الباز
إرسال تعليق