الخميس، 5 ديسمبر 2013

مما قرأت لكم ..... الاعداء الجدد لمصر !!!ا

النخبة والثوار والنشطاء: الأعداء «الجدد» لمصر

محمود الكردوسي



محمود الكردوسي

كنت أظن -خلافاً للعدو التقليدى «إسرائيل»- أن الإخوان وحدهم هم «الأعداء الجدد» للدولة المصرية، وأنهم وحدهم الذين يستهدفون الجيش والشرطة منذ سقوط حكمهم الإرهابى والإطاحة برئيسهم الخائن فى «30 يونيو». وكنت فى الحقيقة ألتمس لهم العذر، لأنهم «أخذوا على قفاهم» ولم يهنأوا بغنيمة الحكم سوى سنة واحدة، ومن ثم فمن الطبيعى أن يرفضوا أى اعتراف بالأمر الواقع، وأن يحشدوا كل ما لديهم من أموال وأكاذيب وتحالفات إقليمية ودولية قذرة، وما لديهم من غل وقبح وبذاءة ليهدموا هذه الدولة على رؤوس أصحابها. لكن الأيام أثبتت أنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك طابوراً خامساً لا يقل عنهم وضوحاً وشراسة فى كراهية الدولة واستهداف جيشها وشرطتها. قد لا يكون هناك تنسيق مباشر بين الإخوان وهؤلاء الأعداء الجدد.. لكنهما يتقاربان ويتباعدان وفقاً للظرف الموضوعى، وقد تختلف الدوافع والأدوات ولغة الخطاب.. لكن النتيجة واحدة.

النخبة -والعياذ بالله- هى أقدم الأعداء الجدد لمصر.. أقدم حتى من الإخوان أنفسهم. النخبة بكل أطيافها: سياسيون ومثقفون وإعلاميون، هى الضيف الدائم على مائدة كل من يحكم، وهى الجزء الملوث والفاسد فى فطرة المصريين. هى نقطة ضعفهم والسمسار الحقير الذى يبيع أحلامهم وغضبهم وألمهم -وحتى شعاراتهم- لصاحب السلطة، مقابل الإبقاء على مكتسباتها. النخبة -ويفترض أن تكون دائماً فى طليعة كل حراك شعبى- أصبحت بفضل دناوتها وولاءاتها المشبوهة «كلمة السر» فى كل خيانة. وإذا كان صاحب السلطة -رئيساً أو حزباً أو جماعة- «يخاف» من الجماهير ويضطر غالباً إلى قمعها وتجويعها ليأمن شرها.. فإن النخبة «تحتقرها» من الأساس ولا تقيم لها أى وزن.

ليس صحيحاً أن نظام «مبارك» كان مسئولاً عن فساد النخبة المصرية. وليس صحيحاً ولا «أصيلاً» أنهم كانوا يناوئونه أو يكرهون قمعه وفساده.. بالعكس: معظمهم، إن لم يكن كلهم، كانوا أكثر المستفيدين من هذا القمع وهذا الفساد، ولحم أكتافهم من خير «مبارك» ونظامه، وكانت «كراهية» هذا النظام «سلعتهم» التى حققوا من ورائها أموالاً طائلة ونجومية لا يستحقونها.. وبسقوط «مبارك» لم يتغير شىء. كانت أمام النخبة بعد «25 يناير» فرصة ذهبية لإعادة إنتاج نفسها وغسل سمعتها، لكنها تراجعت خطوتين وانتظرت حتى استقر الغبار، وباعت انتفاضة المصريين لـ«الإخوان» بعد أن تأكد لها أنهم الأكثر استحقاقاً واستعداداً لتحمُّل أعباء السلطة.

كانت النخبة المصرية شريكاً فاعلاً فى «مؤامرة» وصول الإخوان إلى الحكم، وكانت مسئوليتها مضاعفة لأنها أكثر المصريين دراية وإلماماً بالتاريخ الأسود لهذه الجماعة الإرهابية. ليس صحيحاً أن انحياز النخبة لـ«الإخوان» كان كرهاً فى «مبارك» ونظامه أو تعاطفاً معهم، وليس صحيحاً أن من انتخب «مرسى» أو روج لأحقيته هو وجماعته الفاشية فى حكم مصر كان يكره أحمد شفيق باعتباره من «فلول» مبارك. وليس صحيحاً أن خلاف النخبة مع «مرسى» كان سياسياً، بينما خلافها مع «شفيق» كان جنائياً.. الصحيح أن الإخوان أكثر ثراء وسخاءً من نظام «مبارك»، ومائدتهم أكثر اتساعاً، إذ تمتد من قطر إلى تركيا إلى لندن وتنتهى فى البيت الأبيض، حيث تصب كل الأجندات وتبدأ وتنتهى كل المؤامرات، وعلى رأسها بالطبع مؤامرة «الربيع العربى». الآن.. سقط الإخوان ودالت دولتهم وتوارت «شرعيتهم» وراء قضبان السجن ولم يعد ثمة أمل فى عودتهم إلى الحياة السياسية، ومع ذلك لا تزال النخبة كما هى: فاسدة، ملوثة، مصرة على كراهية «الدولة» والقفز على هيبتها وتماسكها لحساب مكتسباتها الشخصية.. وأتحداك أن تقبض على «نخبوى» لم يعترض -مثلاً- على قانون التظاهر (ودعك من أن يوافق عليه!)، مع أن هذه النخبة تعرف أكثر من غيرها أن مصر بلغت من الفوضى والانفلات حداً يجعلها أحوج ما تكون إلى قبضة حديدية، وأن التظاهر لم يعد تعبيراً عن موقف سياسى.. بقدر ما أصبح تعبيراً عن رغبة جامحة فى تحطيم الدولة وتعطيل مكتسبات ثورة 30 يونيو، وفى أفضل الأحوال «سبوبة».

النشطاء -على ذكر «السبوبة»- دخلوا قائمة العداء للدولة المصرية دفاعاً عن «أكل عيشهم» فقط. هناك نشطاء حقوقيون، ونشطاء سياسيون، ومدافعون عن المرأة، ومدافعون عن حرية التعبير، ومدافعون عن كلاب الشوارع.. لكنهم جميعاً «يعملون بلقمتهم»، وكأن الناشط أصبح «مهنة»: من الذى يدفع تكلفة نشاطاتهم؟.. من الذى يراقب أداءهم؟.. من الذى يحدد لهم أجنداتهم؟.. هذا عمل أجهزة الأمن!. لكنهم لشدة ولائهم لمهنتهم يخلطون أحياناً بين العداء لنظام الحكم والعداء للدولة.. ممثلة بالذات فى وزارة الداخلية. ومع أن مهنة الناشط تزدهر عادة كلما كان نظام الحكم «قمعياً».. فإن الناشطين المصريين لم ينتفضوا ضد قمع وإرهاب جماعة الإخوان، فى حين أنهم يطلون الآن بوجوههم القبيحة ويرفعون عقيرتهم بالعداء لـ«الداخلية»، رغم التحرش السافر والعلنى بضباطها وجنودها من قِبل تحالف «لحس» الشرعية، ورغم كل الشهداء الذين قدمتهم دفاعاً عن هيبة الدولة المصرية واستقرارها.

أما أطفال الشوارع الذين يسمون أنفسهم «ثواراً» فهم أحدث الفصائل المعادية للدولة بكل ما تعنى كلمة «دولة»، وهم الأكثر شراسة وانفلاتاً وسفالة، والأكثر عدمية فى الوقت نفسه. هؤلاء الثوار وُلدوا من رحم المرحومة «25 يناير» لكنك لا تعرف لهم أصلاً من فصل، ولا تعرف ماذا يريدون بالضبط! يتحالفون، ثم تنقسم تحالفاتهم على نفسها، ثم ينفجرون شظايا فى كل اتجاه. ليس لهم سقف سياسى أو أخلاقى، ولا أظن أنهم «تربوا» فى بيوت كغيرهم من شباب هذا البلد، ويصعب التمييز بينهم وبين البلطجية. يعادون «الحكم العسكرى» ويهتفون بسقوطه مع أنه لا يحكم، لأنهم يعرفون جيداً أنه إذا حكم سيطهر البلد من أشكالهم البغيضة، ويوهمونك الآن أنهم ضد فاشية الإخوان مع أنهم ينفذون أجندتهم بامتياز.. وعندما تسأل أحدهم: «طب سعادتك عايز إيه؟».. يجيبك: «مش مهم».. ويمنعه الخبث والحرص على المصلحة من القول: «المهم ألا يكون هناك دولة».

ليست هناك تعليقات: