فكرت طويلا وترددت كثيرًا قبل الخوض في هذا الموضوع، الدكتور محمد البرادعي والترشح لرئاسة الجمهورية، لماذا ترددت؟ لأن إحدي الجرائد نشرت علي لسان الدكتور البرادعي: المضحك أن الوحيدين اليوم اللذين لا يقفان معي - يقصد في مسألة ترشيحه للمقعد الرئاسي - هما إسرائيل وصحف الحزب الوطني.
وهو تصريح خطير، يخرس عنوة جميع الألسنة التي قد تعارض ترشيحه أو تختلف حوله أو معه لأنها ستتهم إما بالانحياز لإسرائيل وإما بالانتماء للحزب الوطني.وخطورة التصريح تأتي أيضًا من إلغاء الدكتور محمد البرادعي لكل ألوان الطيف السياسي في المجتمع المصري، فكأنه يراه فريقين لا ثالث بينهما، الأهلي والزمالك، عسكر وحرامية، أما من مع الحزب الوطني أو ضده، ومن ضد الحزب الوطني هو بالضرورة مع الدكتور البرادعي حسب تصوره، ومن ليس مع البرادعي إذن هو بالضرورة مع الحزب الوطني ومن أنصاره وأتباعه ومريديه!!!
ها هو الدكتور رفعت السعيد وهو ليس من الحزب الوطني ورئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، ليس مع البرادعي ولا يؤيد ترشيحه وغيره كثيرون لا ينتمون للحزب الوطني لكنهم لأسباب كثيرة لا وربما لن يؤيدوا الدكتور محمد البرادعي، فماذا يعني هذا للدكتور البرادعي وما هي دلالاته!! خطورة التصريح المنشور ليس فقط في الخنادق المفترضة التي رسمها الدكتور البرادعي أو رسمت له وخندق فيها الشعب المصري وقسمه لفريقين ملك وكتابة بل خطورته أنه يكشف عن نظرته للمجتمع وقدر إحساسه به وإدراكه وإلمامه ومعرفته بطبيعته وما يموج فيه.
شط البحر
ما علينا...
من بلاد المهجر
وقبل أي شيء أوضح موقفي أنا الشخصي من الدكتور محمد البرادعي الشخصية المصرية المرموقة التي شرفتنا في المحافل والمنظمات الدولية وشغل ثلاث مرات منصب مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية وحاصل علي جائزة نوبل للسلام مع الوكالة التي كان مديرها ومنحته مصر قلادة النيل العظمي أرفع وأرقي أوسمتها احتفاءً واحتفالاً به.
هو شخصية مصرية جديرة بكل احترام عاش حياته المهنية والوظيفية كلها أو معظمها خارج الوطن منذ سافر للدراسة في كلية نيويورك الجامعية للحقوق وحصل علي الدكتوراه 1974 وحتي أنهي مدة عمله كمدير للوكالة الدولية للطاقة النووية 2009 كمثل بعض أبناء مصر ممن غادروا الوطن واستقروا للعمل والإقامة والحياة في بلاد المهجر، هؤلاء المصريون النبهاء الأكفاء المتفوقين الذين تتشرف بهم الجامعات ومراكز البحث والمستشفيات ومؤسسات العمل المختلفة والمنظمات الدولية المختلفة.
الأطلال والطعمية والنيل
من هذا المنطلق لا أحمل للدكتور البرادعي إلا كل احترام وتقدير شأنه شأن الكثيرين من المصريين المحترمين الأكفاء النبهاء سواء عاشوا حياتهم كلها في السعودية أو الكويت أو انجلترا أو كندا، عاشوا هم وأسرهم وأبناؤهم هناك في البلاد البعيدة فزوجته مدرسة في فيينا وأولاده يعيشون في لندن هؤلاء الذين قرروا لأسباب تخصهم وتخص مستقبلهم المهني العملي الوظيفي أن يقلعوا كالطيور المهاجرة للبلدان الأخري يبحثون لأنفسهم عن مكان تحت شمسها.
نعم يظل الوطن وحبه في قلوبهم، فيبكون حين يسمعون يا حبيبتي يا مصر وأطلال أم كلثوم وأحضان عبدالحليم حافظ ويشجعون فريقنا القومي ويحبون سعاد حسني ورشدي أباظة ويشتهوا أكل الفول والطعمية وتوحشهم مصر أم القناطر والنخيل والنيل وأحلي الذكريات.
لكنهم يختارون الاستقرار في الغربة، يبقون مشتاقين للوطن محبين لترابه نعم، لكنهم لا يتركون مواقعهم ولا يعيشون معنا ولا يشاركوننا ازدحام القاهرة ولا تلوث سمائها ولا يعانون من دروس الثانوية العامة ولا ارتفاع أسعار الكهرباء ولا يعايشون أزماتنا اليومية في غلاء سعر البنزين وطوابير الخبز وارتفاع أسعار الأنابيب ولا تؤرقهم مشكلة السنة السادسة الابتدائية وإلغائها ولا دخول المنتقبات للجامعة ولا انفلوانزا الخنازير ولا يخزق أطفال الشوارع المشردين أعينهم كل يوم في إشارات المرور ولا يعانون من انقطاع المياه عن منازلهم طيلة النهار ولا يبحثون عن واسطة تعين ابنهم الحيلة خريج المدارس الحكومية في شركة أجنبية بمرتب يستر، هم مصريون نعم، يحتل الوطن قلوبهم نعم، يحنون لذكرياتهم فيه ويشتاقون لنيله وترابه وأهراماته نعم، لكنهم لا يعيشون فيه ولا يعرفونه مثل النائمين علي الأرصفة المغروسين حتي رءوسهم في الطين.
عواطف من بعيد
وما أقوله في حق المصريين في المهجر ليس نقيصة وليس عيبًا فيهم، ما أقوله في حقهم ليس انتقاصًا من انتمائهم للوطن أو حبهم له، ما أقوله ليس إلا وصفا يتفق مع كل شكاواهم التي نسمعها منهم ليل نهار وقت يقضون إجازتهم القصيرة تحت سماء الوطن، يعانون من واقعنا اليومي ويشكون من تفاصيل حياتنا وينتقدون أحوالنا ويقارنوننا بالدولة الغنية المستقرة وديمقراطيتها الراسخة وأحوالها الرغدة وسرعان ما يعود لبلاد المهجر التي احتوتهم واحتضنتهم وأعطتهم ما لم ينجحوا في الحصول عليه في الوطن المرهق بأحواله المتعب بهمومه المضطرب بمشاكله!!
عبدالناصر ومراكز القوي
وقبل الإسهاب في الحديث عن الدكتور محمد البرادعي وترشحه أو انتوائه الترشح للمقعد الرئاسي في انتخابات 2011، نعود للبداية.. في عام 1976 بدأت الحقبة الديمقراطية الجديدة في المجتمع المصري بعد ثورة يوليو وبعد انتهاء زمن التنظيم السياسي الواحد وبعد الحكم علي رموز النظام الناصري وحقبة عبدالناصر بالسجن في القضية التي سميت مراكز القوة، بعدها بدأت تلك الحقبة الجديدة في الصراع الديمقراطي السياسي المصري حينما أعلن الرئيس السادات عن تكوين المنابر الثلاثة اليمين والوسط واليسار، تلك المنابر التي تحولت وبسرعة لأحزاب سياسية رسمية، حزب التجمع اليساري وحزب الأحرار اليميني وحزب مصر العربي الاشتراكي الوسطي، وسرعان ما تكون الحزب الوطني الديمقراطي باعتباره وريثا لحزب البطل المصري مصطفي كامل وترأسه الرئيس أنور السادات رئيس الجمهورية وسرعان ما انضم إليه معظم أعضاء حزب مصر العربي الاشتراكي الذي ترك خاليا إلا من رئيسه عبدالعظيم أبوالعطا وقليل من أعضائه نسيهم جميعهم التاريخ والجغرافيا.
وخلال الفترة من 1976 وحتي الآن، ناضل الوفديون بضراوة لتكوين حزبهم كحزب الليبرالية المصرية والاقتصاد الحر وبعد معارك قضائية كثيرة ومتتالية مع لجنة تكوين الأحزاب منح القضاء للوفديين الحق في التواجد علي الساحة السياسية المصرية بحزب رسمي علني حزب الوفد الجديد أيضا ناضل الناصريون بضراوة للإعلان عن حزبهم حزب الاشتراكية والوحدة العربية وريث الحقبة الناصرية وأفكارها وقادتها وزعمائها الفكريين والسياسيين وشبابها أعضاء منظمة الشباب الاشتراكي ونوادي الفكر الناصري بالجامعة وعقب معارك طويلة قانونية مع لجنة تكوين الأحزاب ورفضها بالتصريح لهم بتكوين الحزب منحهم القضاء الحق في التواجد علي الساحة السياسية المصرية بحزب رسمي علني الحزب العربي الديمقراطي الناصري.
المحظورة والطائفية
وحاول الإخوان المسلمون بدأب وقوة أكثر من مرة تأسيس حزب علني بخلاف جماعتهم المحظورة قانونا وخاضوا معارك كثيرة قانونية وواقعية تتيح لهم التواجد السياسي العلني باسمهم التاريخي الإخوان المسلمون أو أي اسم آخر يعتنق فكرهم ويتبني أفكارهم وبرنامجهم السياسي لكن لجنة الأحزاب رفضت التصريح لهم بحزب علني باعتباره حزبًا يقوم علي أساس ديني طائفي بالمخالفة للقانون والدستور فاكتفت جماعة الإخوان المسلمين بشكل الجماعة كشكل سياسي مع فرض تواجدها الفعلي الواقعي في الشارع السياسي مع الاحتفاظ بلقب المحظورة!!
أربعة وثلاثون عامًا من الصراع السياسي المصري شهد المجتمع المصري فيها أحداثًا كثيرة وصراعات بين الأحزاب وبعضها، تحالفات اختلافات اقتراب ابتعاد توحد في العمل حول قضايا محددة، شهد المجتمع المصري جرائد حزبية كانت وانتهت وجرائد مستقلة تعبر عن تيارات سياسية لم يصرح لها القانون بالتواجد السياسي لكنها فرضت تواجدها علي أرض الواقع بأفكارها وأعضائها وجرائد حزبية عبرت عن أحزابها وبقيت ومازالت تصدر، شهد المجتمع المصري خلافات بين أعضاء الحزب الواحد بعضهم وبعض اختلافًا علي البرامج انقسامات وصراع وصل للضرب والتشابك بالأيدي ومحاضر الشرطة بل ووصل لاطلاق الرصاص واحتلال المقرات وأغلاقها بالبلطجية والجنازير الحديد.
وخاضت كل تلك الأحزاب والتيارات السياسية صراعات عديدة وانتصروا أحيانا وانهزموا كثيرا ونجح لهم ممثلون في المجالس المنتخبة مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية وفي النقابات المهنية والعمالية، وصدرت مئات بل مئات الآلاف من الأوراق والبيانات والنشرات توضح الآراء والأفكار والمواقف وتؤيد وترفض وتشجب وتدين، واختلف الجميع واتفقوا بدرجات متفاوتة حول العديد من الأحداث السياسية التي عاشها الوطن اتفاقية كامب دافيد والصلح مع إسرائيل والتطبيع وحول السياسات الاقتصادية والاجتماعية وحول الحركات الاحتجاجية والمظاهرات والإضرابات وحول الموقف من حرب الخليج وحصار العراق واحتلال الكويت وحول الديمقراطية وتوسيع هامشها وتغير القوانين وتعديل الدستور والموقف من النساء والأقباط ومن الفقراء ومن أهل النوبة والمعتقلين السياسيين ومن استقلال القضاء ومن العلاقات العربية وزعامة مصر للأمة العربية ورفع البعض شعار مصر أولا وقال غيرهم طظ في مصر رفع الآخرون شعار مصر قلب العروبة النابض وزعيمة العرب وآمن البعض بأن الصراع مع إسرائيل صراع وجود لا حدود وقال البعض إن الصلح مع إسرائيل والتعاون معها ضروة واقعية، وآمن البعض بأن الاشتراكية هي طريق النجاة وقال البعض الآخر إن الإسلام هو الحل ورفع البعض شعار الدين لله والوطن للجميع وقالوا إن مصر وطن لكل المصريين يعيشون جميعهم، لهم نفس الحقوق والواجبات تحت شعار المواطنة.
الصراع السياسي المصري
أربعة وثلاثون عاما من الصراع السياسي المصري عرف فيها المصريون واحبوا وكرهوا واحترموا واختلفوا مع أسماء كثيرة لسياسيين معارضين مارسوا العمل السياسي وانضموا للأحزاب والتيارات السياسية العلنية والسرية والمعارضة كخالد محيي الدين وفؤاد سراج الدين وإبراهيم شكري وعبدالعظيم أبوالعطا وعرفوا نعمان جمعة ومحمود أباظة ورفعت السعيد وأبوالعز الحريري وأيمن نور وجميلة إسماعيل وأسامة الغزالي حرب ويحيي الجمل وضياء داود وحمدين صباحي ونبيل الهلالي وسامح عاشور ومحمد سيد سعيد.. وغيرهم كثيرون، في نفس الوقت شهدت الساحة السياسية المصرية العديد من الحركات الاحتجاجية الخارجة عن الأحزاب والرافضة الانطواء تحت اجنحتها كحركة كفاية وحركة من أجل التغيير وحركة شايفنكو بخلاف المنظمات الأهلية غير الحكومية المهتمة بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والمرأة والمطالب المهنية كحركة 9 مارس لأساتذة الجامعة وتشكلت العديد من جماعات الضغط والمراكز الحقوقية الإسلامية والمسيحية والنقابية التي تمارس شكلا ما من أشكال العمل السياسي غير الحزبي وتداخلت الأنشطة السياسية والحقوقية مع المطالب المهنية والفئوية وكثرت الجرائد والصحف والبرامج التليفزيونية المعارضة أو المنتقدة للحكومة وأحوال الحياة المصرية وبرزت العديد من الوجوه والأسماء السياسية والمعارضة للحكومة والمختلفة معها وتعرف المجتمع المصري علي أسماء كثيرة كقادة سياسيين غير حزبيين في مجال العمل الحقوقي أو النقابي أو المهني.
حرية الكلام والكتابة
أربعة وثلاثون عاماً من الصراع السياسي الفكري المحتدم التي يموج بها المجتمع المصري مع مساحات تتزايد أو تنقص حسب الأحوال من حرية الكلام والكتابة والانتقاد والمعارضة ويعيش المجتمع المصري مواسم سياسية متعاقبة يكثر فيها انتقاد أحزاب المعارضة وجماعات الضغط السياسي والحقوقي للمساحات التي تمارس فيها نشاطها السياسي العملي وتتوجه الانتقادات تارة للحكومة وتارة للقوانين التي يلزم تغييرها وتارة للدستور الذي يلزم تعديل بعض نصوصه بما يسمح بمزيد من الحرية والديمقراطية وتداول مقاعد الحكم وشهد المجتمع المصري في بعض الأحيان اجتماع الفرقاء الحزبيين السياسيين كثيراً علي مطالب سياسية مشتركة ونسقوا العمل والحركة علي الساحة السياسية فيما بينهم وشهد أيضا اختلافهم العنيف حول قضايا منهجية وأيديولوجية فرقت بينهم السبل والطرق والقوة المشتركة وتبادلوا الاتهامات بالتهادن مع الحزب الوطني الحاكم الذي اتهم بدوره بتكبيل المعارضين وفرض القيود الواقعية والقانونية عليهم باستخدام الدولة وأدواتها الأمنية وقوتها الواقعية وموظفيها وتابعيها وعدم منحهم الفرص السياسية المتكافئة للصراع السياسي في شكله الديمقراطي.
مع إحترامي للدكتور البرادعي
أربعة وثلاثون عاماً من الصراع السياسي المصري عاشها المجتمع المصري بعد تجربة الحزب الواحد والتنظيم السياسي الواحد ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة خلال تلك الأربعة وثلاثين عاماً للأسف الشديد ومع شديد احترامي للدكتور محمد البرادعي لم نسمع عن اسمه إلا باعتباره مديرا لوكالة الطاقة النووية لم يعلن عن اهتمامه بأي موقف سياسي أو غضبه من أي موقف آخر لم يقترب لا من بعيد ولا من قريب من عالم السياسة الصاخب الموحش بآلياته القاسية لم يحاضر في حزب ما عن أحوال البلد لم ينضم لحزب ما لم يشرف أي جمعية حقوقية أو أهلية سياسية كانت أو خدمية باسمه وعضويته لم يوقع علي بيان تضامن أو تأييد أو رفض أو إدانة لأي حدث عاشه المصريون، أربعة وثلاثون عاماً هي عمر التجربة الديمقراطية الحالية في المجتمع المصري سمعنا عن أسماء كثيرة بعضها اعتقل جزاء مواقفه السياسية وبعضها شرد ونقل من عمله وبعضه طرد من حزبه فأسس حزباً جديداً سمعنا عن أسماء مصرية كثيرة كتبت بمنتهي الاهتمام والدأب الإصرار عن أحوال البلد في الاقتصاد والسياسة بالانحياز للحكومة وتبرير مواقفها أو برفض سياساتها ومواقفها سمعنا عن أسماء مصرية كثيرة ممن نسميهم النخب المصرية القيادات السياسية الفكرية الحقوقية مفكرين وكتابًا وسياسيين ومحامين وقضاة وصحفيين وأطباء ومهندسين جميعهم مهتمون بحال الوطن ومشاكله ومواطنيه لهم وجهات نظر مختلفة متباينة متناقضة في كثير من الأحيان لكن الاهتمام بالشأن العام وحال الوطن ومواطنيه يجمع بينهم يكتبون ويناقشون ويتنقدون ويعارضون يتعرضون لمتاعب وصعوبات وانتقادات وأحيانا يتعرضون لاضطهاد وتعسف واقعي وقانوني وأحيانا حبس واعتقال وأحكام بالسجن بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية وسط كل هذا الصخب وتلك الحيوية وهؤلاء الأسماء وسط الصراع والاختلاف والانتقاد والمعارضة والتأييد لم نسمع يوما عن الدكتور محمد البرادعي باعتباره مهتما بالشأن العام المصري ولا أحوال الوطن ولا ما يحدث فيه ولا حياة مواطنيه لم يقدم لنا نفسه كمصري مهتم بالسياسة معني بأحوالها وتغييرها!
مرشح بين يوم وليلة
فكيف إذن يأتي بين يوم وليلة ويفكر أو يزين له البعض أن يترشح للمقعد الرئاسي؟ هو شخصية مصرية مرموقة نعم لكنه لا علاقة له بالسياسة وإن فكر الآن وهو يتقاعد من عمله في وكالة الطاقة النووية وعلي وشك أن يتم السبعين من عمره أطال الله عمره ومنحه عظيم الصحة أن يهتم بالسياسة ويشتغل بها فليس معقولاً أن يقفز فوق الواقع السياسي المصري بكل تفاصيله ويهبط علي المجتمع المصري من السماء السابعة ويقدم نفسه للمقعد الرئاسي خبط لزق لا يمكن أن تكون خبرته السياسية وإلمامه بأحوال البلد ومشاكله وواقعه وأزمات شعبه وتفاصيل حياته اليومية مثل أي من هؤلاء السياسيين بجميع ألوانهم السياسية ممن عاشوا التجربة الواقعية بكل أحزانها وأفراحها بكل واقعها المرير هم لم يتعرفوا علي البلد من تقارير الأمم المتحدة ولا من زيارات عابرة لبعض المناطق العشوائية ولا من أفلام السينما هم أيديهم في الطين مغروسون فيه حتي النخاع ومنذ عشرات السنوات خاضوا معاركه سياسية مختلفة انتخابية ونقابية ومهنية وحزبية داخلية في نفس الوقت الذي كان فيه الدكتور البرادعي يؤدي عمله بمنتهي البراعة والكفاءة في وكالة الطاقة النووية.
الفرقاء السياسيون
كيف فكر الدكتور محمد البرادعي في الأمر؟ من الذي قال له إنه أمل مصر في التغيير والمصريون لا يعرفونه إلا باعتباره مديراً لوكالة الطاقة النووية؟ وهنا لا أتحدث عن النخب والساسة ولا مرتادي منتديات ومقاهي والمقرات الحزبية بوسط البلد ولا أعضاء الأحزاب السياسية سرية كانت أو علنية بل أتحدث عن ثمانين مليون مصري لم يشرف أغلبيتهم للأسف بمعرفة الدكتور محمد البرادعي رغم حصوله علي جائزة نوبل للسلام كيف فكر الدكتور محمد البرادعي أن الفرقاء السياسيين المجتمعين حوله علي اختلافاتهم السياسية وتناقضاتهم حسبما ظهروا في الصور التي التقطت يوم اجتماعهم معه سيحملونه فوق رءوسهم جميعا للمقعد الرئاسي رغم أن منهم من أعلن بوضوح نيته للترشح للانتخابات الرئاسية كأيمن نور عن حزب الغد وحمدين صباحي عن حزب الكرامة تحت التأسيس كيف صدق الدكتور محمد البرادعي أن الفرقاء السياسيين المشتغلين بالسياسة في مصر لسنوات تزيد علي الربع قرن ولم يفلحوا لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها لا في تغيير الدستور ولا تغيير أحكامه ولا تعديل نص المادتين 76 و77 كيف صدق الدكتور محمد البرادعي أنه سيفلح هو معهم لإجراء التعديلات والتغييرات المطلوبة لمزيد من الديمقراطية حسب تعبيره؟ كيف فكر الدكتور البرادعي في الأمر؟ يطالب بتعديل الدستور ويطالبه الفرقاء السياسيون حوله بالنزول للشارع ويتعهدون بجمع توكيلات من الشارع المصري تمنحه الحق في تعديل الدستور والترشح للمقعد الرئاسي.
توكيلات الأحزاب وتوكيلات البرادعي
إذا كانوا يملكون تلك القدرة فلماذا لم يجمعوا التوكيلات لأنفسهم وهم المشتغلون بالسياسة منذ سنوات بعيدة وأعضاء بأحزاب سرية أو علنية تمارس العمل السياسي منذ سنوات طويلة، إذ كانوا يطالبوه بالنزول للشارع فلماذا لم ينزلوا هم وما هو تأثيرهم علي الشارع وقت نزلوا وطرحوا أفكارهم وآراءهم؟ كيف يعتبر الدكتور محمد البرادعي نفسه زعيما سياسيا مصريا؟ هل عمله السابق في وكالة الطاقة النووية وجائزة نوبل التي شرفت به، هي مسوغات زعامته السياسية للشارع المصري حسبما يري؟ وإذا كان يري نفسه مواطنًا مصريا عاديا اهتم بالسياسة بعد التفاعل من العمل المهني وبعد الهجرة المؤقتة الطويلة، فهل يصلح أي مواطن عادي لم يشتغل بالسياسة يومًا للجلوس علي المقعد الرئاسي وحكم مصر؟
أنا المواطنة الغلبانة
ما هو البرنامج السياسي للدكتور محمد البرادعي الذي سيطرحه علي المصريين لإقناعهم بانتخابه للمقعد الرئاسي؟ وهل سيوافق جميع الفرقاء السياسيين ناصريين وإخوانًا مسلمين وشيوعيين وأحزاب الوفد والجبهة الديمقراطية والغد والكرامة علي ذلك البرنامج معا في آن واحد؟ وحتي إذا وافقوا جميعًا رغم اختلافهم الأيديولوجي والعقائدي والسياسي علي ذلك البرنامج باعتباره برنامج حد أدني بلغة السياسة متجاوزين عن كل خلافاتهم واختلافاتهم في الرؤي والتصورات وشكل المستقبل، ما هو البرنامج الذي سيطرحه لي أنا المواطنة المصرية الغلبانة حاملة البطاقة الانتخابية لأمنحه صوتي.
جنرال بلا جنود
ألا يتعين عليه وقبل أن يطالب الناس بعمل توكيلات لتأييده أن يشرح لهم برنامجه المستقبلي للوطن وكيفية تنفيذه والآليات التي يعتمد عليها لتحقيق ذلك البرنامج؟ ومن هم جنوده ومعاونوه الذي سيدعمونه لتحقيق ذلك البرنامج! هل الدكتور محمد البرادعي جنرال بلا جنود، اصطفت له الجنود التي لا يعرفها من الفرقاء السياسيين المختلفين المتناقضين فسيعتمد عليهم في معركة هامة ومصيرية ليست في حياته بل في حياة الوطن سيعتمد عليهم رغم اختلافاتهم وتناقضاتهم الظاهرة والخفية كقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة في وجهه ووجه الوطن؟ هل، وهذا سؤال من حقي أن أسأله، هل قرر الفرقاء السياسيون بكل اختلافاتهم الأيديولوجية والفكرية والسياسية والاقتصادية، أن يصطفوا خلف الدكتور محمد البرادعي أو اللواء محمد نجيب كواجهة مرموقة محل احترام للمصريين جميعًا فإذا ما انتهت مأموريته التي استدعوه من أجلها خلعوه من مكانه وحددوا إقامته وأفصحوا عن وجوههم الحقيقية واختلافاتهم العميقة؟
أسئلة تبحث عن إجابات
لست أؤيد الحزب الوطني واختلف معه تمامًا ولم انتخب في حياتي أي مرشح له في أي موقع ولن يحدث، لكني حتي الآن لن أؤيد الدكتور محمد البرادعي في هذه المعركة السياسية الكبري لأني لا أعرفه ولأنه لم يقدم لي برنامجًا سياسيا سيسعي لتحقيقه وقت نجاحه في الانتخابات ولأني عندي عشرات الأسئلة المفتوحة التي لم يمنحني بعد إجاباتها! أنا لا أسعي للتغيير وفقط بل أسعي للتغيير للأفضل وأحلم بالوطن له شكل محدد، ولن أؤيد إلا من يؤمن بحلمي وكافة تفاصيله وشكله السياسي الاقتصادي الاجتماعي ويعدني أن يحقق لي هذا الحلم حين ينجح في الانتخابات التي سأمنحه فيها صوتي الغالي! نعم لي عشرات بل مئات الملحوظات والانتقادات للمعارضة السياسية المصرية بجميع فصائلها لكني انحني لهم جميعًا احترامًا فهم منحوا البلد وقتهم وجهدهم وعرقهم وأحلامهم وساهموا بكل مجهوداتهم في صناعة المستقبل الذي نحلم به جميعًا حتي لو تأخر كثيرًا!
مقالتي الاسبوعيه - نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه 11 مارس 2010
http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=48905