الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

مما قرأت لك ، مقالة وحيد حامد


إلى السيد الدكتور الحاج محمد مرسى العياط..

وحيد حامدالأربعاء 19-09-2012 10:43جريدة الوطن 





الرئيس مرسي يصلي في "روما" وسط الحراسة


الرئيس مرسي يصلي في "روما" وسط الحراسة
نعلم جميعاً أنك تشغل منصب رئيس جمهورية مصر العربية فى زمن الهوان والانكسار والفرقة والتمزق، ومع هذا لا أخاطبك بالسيد الرئيس، وإنما بالحاج مرسى؛ لأنى لا أرى فى شخصك الرئيس الذى أتمناه لوطنى الذى هو مصر، والتى تتدحرج من أعلى إلى أسفل بسرعة مذهلة فى عهدك الحزين والكئيب والبائس. وأرجو ألا يعتبر «فرافير» جماعتك وصبيانها أن استخدم الحاج بدلاً من الرئيس المقصود به الإهانة، فأنت حاج فعلاً حتى لا يتعجلوا فى رفع قضايا إهانة الرئيس، أو تنطلق كتائب الجماعة الإلكترونية بالسب والقذف وكل ما يخالف شرع الله، وإنكاراً لقول المولى عز وجل «وجادلهم بالتى هى أحسن». ولأن جذورى ريفية مثلك تماماً يا حاج مرسى، والشائع لدينا أن الجماعة تعنى الزوجة.. فأرجو أن تعى وتدرك أن المقصود بجماعتك هى جماعة «الإخوان المسلمون» وليست السيدة الفاضلة حرم سيادتكم حسب المفهوم السائد فى الريف المصرى.. أيضاً أنا أرى أن صفة «حاج» أفضل بكثير من صفة رئيس، فلم نسمع عن حاج سابق أو حاج معزول.. ثم إن صفة الحاج تمنع عن صاحبها الإهانة قدر المستطاع وتكسبه نسبة عالية من الوقار حتى لو كان كاذباً ومنافقاً وأفّاقاً، أما الرئيس فإنه لا يتمتع بهذه الميزة، ومن حق كل مواطن أن يكشف خطاياه ويندد بأفعاله السيئة ويتطاول عليه إذا لزم الأمر، وهذا يحدث فى كل بلاد الدنيا.. ولأنك قادم من جماعة ترى فى نفسها أنها أهم من مصر وأعلى شأناً منها.. ومرشدك السابق هو القائل «طظ فى مصر» وهذه الجماعة هى التى التهمت الثورة التهام الثعلب للدجاجة ولعبت بالجميع وارتدت كل الأقنعة.. ومارست كل الأساليب التى وردت فى بروتوكولات حكماء صهيون.. صحيح وثابت أن المجلس العسكرى العجوز والمترهل والمرتجف هو الذى أعانكم على الشعب المصرى ومكنكم منه بالخداع والغش والحيلة وبمعاونة فعّالة من أمريكا والغرب على اعتبار أنكم الأفضل فى التعامل معهم.. وهم يدركون تماماً أنكم لن تكونوا الأفضل فى التعامل مع وطنكم وشعبكم.
والآن يا حاج مرسى، وحفاظاً على كمال عقلى، دعنى أكن واضحاً وصريحاً معك ومع جماعتك.. وتعال نتأمل الواقع الذى نعيشه الآن.
مصر.. رايحة على فين يا حاج مرسى...!!
بداية...
أذكّر سيادتكم، يا حاج مرسى، بوعودك وأقوالك وأفعالك قبل أن تكون رئيساً وحتى بعد أن أصبحت الرئيس المنتخب.. وإذا لم تسعفك الذاكرة بحكم المشاغل الرئاسية فأرجو أن تكلف أحد مساعديك أو مستشاريك، وهم والحمد لله كثر، بأن يأتى إليك بالتسجيلات المسموعة والمرئية حتى تتأكد أننا لا ندعى عليك بالباطل.. فأنت الذى وعدت بحل مشاكل كثيرة مثل النظافة والمرور والأمن، ووعدت الشعب المطحون بالبناء والرخاء والحرية والعدالة والقضاء على الفساد قدر استطاعتك.. لم يفرض عليك أحد الزمن المحدد لإنجاز كل ما وعدت به.. الزمن كان مفتوحاً أمامك وكان يمكن أن تحدده بسنة كاملة أو اثنتين، وكنا سنقبل بهذا على اعتبار أن فى هذا البلد الذى تحكمه الآن عقلاء يدركون حجم المشاكل التى خلّفها النظام السابق. إذن فمسألة المائة يوم أما أن تكون سوء تقدير للكوارث الموجودة، وإما أن تكون ضرباً من ضروب الخدع الانتخابية، وأعتقد أنها كانت خدعة انتخابية ولا شىء غير ذلك.. فها هى المائة يوم قد قاربت على الانتهاء ولم يحدث فى مصر كلها أى شىء يمكن أن نعتبره خطوة إلى الأمام أو له نتائج مباشرة تعود على المواطن بأى فائدة أو ترفع عنه قليلاً من الهم والغم.. وأقل الوعود التى قطعتها على نفسك لم تنفذ، وأرجو أن تنزل إلى الشارع وتتفقد أحوال الرعية حتى لو متنكراً أسوة بعمر بن الخطاب رضى الله عنه حتى ترى بعينى رأسك الفوضى العارمة التى ضربت الدولة فى جميع مفاصلها وشرايينها حتى أصبحت هى زعيمة الدولة بعد أن فرضت سيطرتها الكاملة وغيّرت من طبائع الناس وأخلاقهم.. وتفقد أحوال الفقر والعوز وغلاء الأسعار، وشاهد القذارة المنتشرة فى كل مكان.. وعفن الفساد المستمر حتى الآن بعد أن غيّر من هيئته بإطلاق اللحية.. اعلم يا رجل يا طيّب أنك صرحت فى تباهٍ أن كيلو المانجو بثلاثة جنيهات، وأن عهدك السعيد انخفضت فيه الأسعار، وطبعاً أنا ألتمس العذر لسيادتكم لأنك بعد أن صرت رئيساً فأنت لا تنزل السوق ولا تشترى أى سلعة.. أسعار المانجو تبدأ من ستة جنيهات للثمرات المصابة بالعفن البنى وتنتهى عند أربعين جنيهاً للممتازة.. ولكن هل المانجو هى الغذاء الشعبى للشعب المصرى.. أين رغيف العيش منك يا حاج مرسى؟ أين طبق الفول.. وكيلو الباذنجان الأسود؟ لن نتحدث عن اللحوم والدواجن وحتى أسعار الخضراوات.. وحتى لو كان ثمن كيلو المانجو نصف جنيه فهى فاكهة موسمية سرعان ما تختفى، وهى لا تملأ معدة ولا تسد جوعاً ولا يوضع بداخلها قطعة جبن أو بيضة مسلوقة فتصير ببركة جماعة الإخوان «سندوتش» يحمله أى تلميذ فى حقيبة مدرسته.. وبمناسبة تصريح سيادتكم هذا يا حاج مرسى تذكرت واقعة طريفة كنت شاهداً عليها حدثت أيام احتلال مصر بالنظام السابق، فقد أقام أحد السادة رؤساء الوزراء -هو فى السجن حالياً- فرح ابنه أو ابنته على حمام السباحة فى أحد الفنادق الفاخرة وبلغت تكلفة الفرح التى لم تُدفع أصلاً ما يزيد على المائتين وخمسين ألف جنيه، وعندما انتهت الليلة السعيدة انتظر طاقم الخدمة الذين تولوا خدمة الضيوف وتلبية طلباتهم «البقشيش» السخى الذى سيدفعه السيد رئيس الوزراء. وجميعهم كانوا فى أشد حالات التفاؤل بأن يكون البقشيش سخياً بحيث يعود كل واحد منهم إلى بيته «مرضياً» بعد ليلة كلها جهد وشقاء.. وكانت المفاجأة المذهلة أن الجبل تمخض فولد فأراً.. أرسل الرجل مبلغ مائتى جنيه فقط لا غير، أى بالكاد يحصل الواحد منهم على أربعة جنيهات أو أقل قليلاً.. أصابتهم الصدمة واجتمعوا والسخط فى داخلهم والغضب على وجوههم وسبّوا ولعنوا.. إلا واحداً منهم ظل هادئاً لأنه «حشاش» وكان ضرب سيجارتين وعمل دماغ.. قال لهم بهدوء وثبات: ما تزعلوش يا جماعة!! هوّ الراجل ده بقاله كام سنة رئيس وزراء؟ قالوا: أكتر من خمس سنوات!! قال لهم: هذا الرجل لم يُخرج مليماً واحداً من جيبه منذ أن كان وزيراً، وبالتالى هو لا يعرف قيمة الأشياء حالياً، وبالتالى تعامل معكم بأسعار زمان أيام ما كان بيحط إيده فى جيبه!! فإذا عدنا إلى موضوعنا الأصلى بعد هذا الفاصل الفكاهى.. نجد أن الآلة الإعلامية للجماعة والحاج مرسى تروّج للباطل وترفع راية الخداع.. ونحن لا ننسى أبداً عندما أصبحت رئيساً «فشخة الصدر» التاريخية فى ميدان التحرير وإظهار الشجاعة الفائقة بعدم ارتدائك القميص الواقى من الرصاص، وقلنا الحمد لله.. الآن لدينا رئيس لا يهاب الموت فى سبيل الوطن.. ولكن يبدو أن القميص الواقى من الرصاص يومها كان مغسولاً ومنشوراً على الحبل ولم يجف بعد.. لأن ما نراه منك الآن لم يحدث فى تاريخ مصر ولا أى دولة أخرى فى العالم الثالث، أقول العالم الثالث لأن رؤساء العالم الأول يتحركون فى حراسة محدودة للغاية وغير مرئية أو محسوسة.. وأنت تتحرك وسط حراسة مشددة ومدرّبة لو وجّهتها إلى سيناء، التى على وشك الضياع، لطهرتها تماماً من الإرهابين على اختلاف أنواعهم وتوجهاتهم.. ولكنك تريد الحماية لنفسك من عدو غير موجود أصلاً، فليس هناك من يفكر فى اغتيالك أو الخلاص منك، ولكنها السلطة يا حاج مرسى عندما تخترق الإنسان البسيط فيتوحش بها.. ولا أعرف هل هذه رغبتك أم أن هناك من أشار عليك بذلك من قطط الموائد التى تحيط بمائدتك التى أعلم أنها مائدة عامرة وافرة بأجود أنواع الطعام وفيها سخاء.. فأنت عكس الرئيس المسجون حالياً.. فقد كان بخيلاً على الناس وعلى نفسه.. أما أنت يا حاج «بارك الله» صاحب شهية مفتوحة وكرم إخوانى حتى أن مائدتك تمتد من قصر الرئاسة إلى مدينة الزقازيق، وأنا لا أجد غضاضة فى أن يكون لك موكب مثل موكب الخليفة.. وحراسة إن لم تكن من أجل الخصوم فمن أجل المعتوهين أو الموتورين أو المتشددين الذين أمرت بإطلاقهم علينا بالعفو عنهم فعادوا إلى سيرتهم القديمة فى جرأة وقسوة.. وها أنت قد رأيت بعينيك الأعلام السوداء التى تُرفع فى سيناء وفى قلب القاهرة مما يؤكد أن هذه الخلايا الإرهابية موجودة وفى زيادة، وأنت يا حاج تبارك وجودها، وأيضاً تعلم أن مدرب الوحوش غالباً ما تكون نهايته بين أسنان الوحوش.. وتعلم أيضاً أن قاتل سيدنا على بن أبى طالب مسلم متشدد من الخوارج.. وتلعم أيضاً أن الذئاب يأكل بعضها البعض. ولكنى أنا وغيرى من الناس فى أشد حالات الدهشة من أدائك للصلاة فى المساجد مع عامة الناس بواسطة هذه الحراسة المشددة والمبالغ فيها، وكأنك تنكر قول المولى عز وجل (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة).. ومقتل السادات عبرة..
إذن فهى صلاة استعراضية إعلامية تفتقد الخشوع لله سبحانه وتعالى.. يا حاج مرسى، دعنا من تكاليف صلاتك هذه والتى تكفى إطعام ألف أسرة لمدة شهرين أو ثلاثة.. ودعك من التضييق على عباد الله الصالحين وخنقهم بالجيش الذى يحرسك.. ألم تفكر لحظة واحدة بأن الله يراك وأنك لا تستحى منه؟ فأنت تذهب بقواتك للركوع أمام الله وكأنك تقول له: أنا صاحب مصر يا صاحب الكون كله.. هذا هو الفعل المخجل.. ودعنى أروى لك حكاية من حكايات أسلافك الإخوان.. فقد أشار المرحوم حسن البنا على رئيس الديوان الملكى على ماهر باشا بأن أفضل طريقة تجعل الملك فاروق محبوباً لدى الناس أن يكثر من التردد على المساجد حتى يراه الناس وهو يصلى، وكانت كتائب الإخوان تستقبله على أبواب المساجد بالهتاف وتودعه بالدعاء كما يحدث معك الآن يا حاج مرسى.. إلا أن الملك الشاب قليل الخبرة كان ذكياً وصاحب عقل وحكمة.. شاهد رجلاً يقف بالقرب منه وهو جالس يسمع الخطبة فسأل كبير الياوران.
- الراجل ده واقف ليه..؟
- دا الحارس بتاعك يا مولاى.
قال الملك بكل حسم وحزم:
خليه يصلى أحسن.. أنا فى حراسة الله.
ونحن لا نملك، وبعد أن استقويت على شعبك، إلا أن نقول لك: اتق الله يا رجل، فأنت اليوم رئيس ولا تعلم ما هو مصيرك فى الأعوام القادمة.. وكل ما يحدث فى مصر الآن ومنذ توليت السلطة هو ضجة بلا طحن.. ضجة يحدثها قارعو الطبول فى كل زمان ومكان، وصدق من قال «أهل مصر عبيد لمن غلب».. وبمجرد أن غلبت يا حاج مرسى، سواء بالحق أو بالباطل، عزفت لك المزامير التى كانت تعزف لمبارك، وطربت لهذا العزف وصاروا يسمعونك ما تحب أن تسمعه.. لم نر منك أو من جماعتك أى تغيير، ولم تقدم على فعل مؤثر.. حيث ما نراه منك حتى الآن هو السفر.. والصلاة الإعلامية.. وإلقاء الخطب.. وجميعها محل إشادة.. وتهلل قطط الموائد لكل خطاب تلقيه وتزعم أنه كان عظيماً ومحل إشادة، وكأنك وجدت حلاً لمشكلة البطالة، ويظهر على سطح الحياة المصرية البائسة الكثير من الأنطاع العباقرة فى فن التبرير واختلاق الأعذار.. أحدهم اقترح أن يتم حساب المائة يوم بداية من اليوم الذى رحل فيه المجلس العسكرى.. وهو يعلم تمام العلم أن المجلس العسكرى منذ البداية ومع أول هجوم إخوانى وقع أسيراً فى قبضة الجماعة التى أصبحت تأمر فينفذ ويطيع.. وعندما تمت إقالة المشير والفريق اعتبره البعض أنه عمل بطولى قام به الرئيس.. والأمر فى حد ذاته إجراء عادى جداً، فالمشير -سامحه الله- كان يجب أن يرحل منذ سنوات عديدة.. فلم نسمع قط عن وزير دفاع استمر فى موقعة عشرين عاماً حتى أصابته شيخوخة الفكر والجسد أيضاً حتى أنه صار مثل الشجرة العجوز التى تسقط مع مرور أى ريح قوية.. ولكن مبارك المريض بالشك والوساوس والفاقد تماماً لبُعد النظر والوعى لضعف الثقافة كان يفكر ضد نفسه دون أن يدرى، وهو عندما سلم مصر إلى المجلس العسكرى ولم يسملها إلى نائبه عمر سليمان رحمة الله عليه ظناً منه أن المجلس العسكرى سوف يعيده إلى الكرسى من جديد.. إلا أن المجلس العسكرى المرتبك المهزوز والخائف من الجماعة قرر أن يتحالف أولاً معها.. وفى أيام قليلة ابتلعت الجماعة المجلس العسكرى فى جوفها كما تبتلع الأفعى الفأر المذعور.. وهكذا وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.. اقتصاد يتراجع يوماً بعد يوم.. مكانة دولية منهارة تماماً.. مرافق معطة أمن ما زالت قدراته ضعيفة ومكبلاً.. صراعات دينية متنوعة.. فقر يتوغل.. تعليم معطل.. نفاق يسطع فى كل مكان.. عملية خداع سياسى وإرهاب فكرى تقوم بها التيارات الدينية وعلى رأسها جماعة الإخوان لوضع دستور يلقى بمصر من على قمة الجبل إلى سفحه.. سيناء على وشك الضياع.. رجال أعمال سُجنوا.. وتم إحلال غيرهم.. سياحة خسرت ما لديها من سمعة.. و.. و.. وأنت يا حاج مرسى تصلى وتسافر وتخطب فى كل مناسبة.. وفى أى جمع من الناس.. وتأكل.. وتشرب.. وتنام.. والآن لديك قطط الموائد التى تجد مبرراً لكل فعل تفعله حتى لو كان فيه خراب هذه الأمة العريقة.. ويوم أن تذهب سيناء بعيداً عن مصر وأهلها سيخرج علينا من يقول: «همّ واتشال من فوق ضهرنا».. وهكذا تموت الأمم يا حاج مرسى.. أعانك الله علينا.. وأعاننا الله عليك.. والله المستعان.

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

مما قرأت لكم ، القيء الجماعي في مصر


القىء الجماعى فى مصر





توابع زلزال 25 يناير مازالت مستمرة فى شكل قىء جماعى بمسمى التعبير عن الرأى ، ويصاحبه مرض الظهور ،أو التظاهر المستمر، ورفض الماضى فى حاضر لم يتبلور بعد؛ إلى متى ينتهى قصر النظر الشعبى؟ وإلى أين سيؤدى بنا هذا الفشل الإجتماعى ؛ الذى تمثل فى التحول المفاجىء من الإحتباس القمعى الإجبارى إلى التغوط والتبول الإرادى على كل شىء؟ لقد أصبح الكوكب المصرى وسكانه يعيشون حالة من الفراغ القييمى، وهذا يعد ورطة كبرى وتحد رهيب فى معركة بناء المستقبل؛ فبعد أن حاول هذا الشعب الخروج من الفلك قديم إلى فلك الحرية، شعر بالمتاهة بينهم وأصبح بين الحيرة والندم والخوف والتشكك، و أصبح العقلاء ينشدون الوصول بالبلاد إلى حالة الإتزان الطبيعى، التى عادة ما تلى أى تصادم؛ ولكن هذا الأتزان الذى ننشده قد يحدث دون تدخل من أحد ؛ فالتدخل والتحيز والتعمد يطيل من حالة عدم الاستقرار وقد يؤدى إلى مزيد من التصادم والإنفجار؛ ولكى يدور الكوب المصرى متزنا فى فلكه الجديد لابد لكل هذه المؤامرات أن تتوقف فورا، فما يحدث من استقواء بالحشد محض بلطجة لا تعبر عن ممارسة ديمقراطية سليمة كالتى تحدث فى كل دول العالم، بل هى ديكتاتورية وعنف موجه ضد مصر، يجب التصدى له ، ومعرفة من هم اللذين يديرونه بهذه البراعة .
يجب علينا كمواطنين أن نعرف قيمة النظام و الإصطفاف؛ إن كنا قد عرفنا قيمة الحرية، وأن نفهم أن أى خروج عن النظام بدون مبررات قوية وكافية ؛ هو جريمة فى حق الوطن يحض عليها عملاء مأجورين ويدعمهم عدد من الأقلام المتفهيقة التى تتشدق بحرية التظاهر وحرية التعبير ولا تحسب أن هناك وطنا أن لم يكن سقط فعلا فهو فى طريقه إلى السقوط ؛ فمنذ أن زال نظام مبارك -فى ظروف ستحتاج لبعض الوقت للحكم عليها بدقة - لم أرى إلا هرج ومرج يحركه عملاء ، ويتبعه صبية أغبياء ،ويدعمه كتاب: الله أعلم بسريرتهم، و هو وحده أدرى بمن أقعدهم خلف مكاتبهم، ومنحهم هذه المنابر فى الصحف والقنوات الفضائية . 
كمواطن ينتمى للأغلبية الساحقة، أو بمعنى أخر كمواطن ليس له أى توجه ولا انتماء إلا حب الوطن؛ لم أعد أطيق بعد أن إتسع الرتق على الراتق كل ما يحدث من مظاهرات وإعتصامات وفئويات، ولم أعد مهتما بتلك المطالب، ولم أعد معنيا بسماع بنودها مهما كانت المظلة التى يحتمون بها؛ بعد أن ثبت أن الهدف من وراء كل هذه الأشياء ليس نبيلا ، و بعد أن بدا الشكل الذى تخرج به للعالم، غير حضاري.
أستطيع الآن أن أجزم أن كل هذه التوترات لها من يحركها ويدعمها وهو لن يعدم الأسباب ولا الوسيلة فى استمرار هذا التوتر اليوم أو غدا ،و طالما أن الهدف ليس نبيلا ؛ فالأسباب دائما موجودة، خاصة فى بلد مهمَلة منذ عقود، تكالب على أهلها الجهل والمرض المصاحبان للفقر المتوارث فيها ؛ ولو سألنا أنفسنا : ما لذى لا يحض على الثورة فى مصر اليوم ؟ وما الذى لا يدفع الناس للغضب من وعلى كل شىء؛ لوجدنا حقا أن كل شىء فى هذه البلد اصبح مقززا يبعث على الضيق والتبرم ولكن هل الغضب هو الحل؟ وهل المزيد منه سينزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً ؟ أو يسقط علينا سلاسل من مطر من ذهب أو فضة؟! ألا يعلم الناس أن مصر تتسول العيش من القاص والدان ؟ هل من المنطقى أن نطلب الكرامة ونحن نتسول أسباب حياتنا ممن يلعنهم شيوخنا اللعانين ، الطعانين على منابرهم ؟ وهل نطلب الإستقلال والعدل والسلام من أعدائنا ونحن لم نعدل أو نرفق بوطننا ؟ 
الحكومات لا تأت بالقوت بل يأت به عمل وكد مواطنيها ، وبرغم أن الحكومة لها الدورالأكبر، وعليها يقع العبء الأكبر؛ بإعتبار أنها الإدارة التى تجمع وتوجه ، وتدرس وتخطط ؛ ولكن أى إدارة مهما كأنت رشيدة؛ ستسقط و تفشل مع التصرفات الغوغائية التى لا تستهدف صالح الوطن والتى نسميها مؤخرا فى مصر الحرية ؛ فكما قضى قهر الماضى على أحلام الأباء باسم النظام؛ فاليوم يضيع الأبناء ماتبقى منها باسم الحرية؛ تلك التى سيؤدى إساءة استخدامها إلى الضياع القومى، الذى ننحدر إليه كل يوم فى الوقت الذى يحسب غيرنا ويحصى معدلات نموه بالمليارات؛ لقد بات واضحاً - أن الأنهيار الإقتصادى الوطنى فى عالم يتعافى من أزماته المالية، والتخلف العلمى و القيمى فى عالم يتسابق تقنيا وبحثيا فى أفلاك الكواكب الإخرى - أن استمرارنا فى هذا القىء الجماعى، والإيجابية المبالغ فيها، والتحرش بكل من عارض، والتهليل الحماسى النضالى لكل من إتفق ؛ سيضعنا فى موقع أسوأ مما كنا عليه فى عصر ما قبل الثورة.
لم نعد نرى طيلة عامين تقريبا منذ بداية الثورة ً إلا قوائم بمطالبات : منها الدينية المغلفة بالسياسة أو التطرف، و أخرى حياتية، لم نعد نستمع إلا لهجاء وسباب و ردح؛ على خلفية صراعات سياسية وتحذيرات وشائعات وشكوك ومحاضر فى أقسام الشرطة وتحقيقات فى انتهاكات نسمع عنها لأول مرة فى مصر وتعديات ومخالفات ؛ و لم نعد محاصرين سوى بالتهديدات من الجار البعيد الذى يطالبنا بالإلتزام بالسلام مع الجار بالجنب الذى لا يعرف معنى السلام، ولا يبيت إلا العدوان؛ وهكذا أصبحنا و هكذا صارت الحياة كئيبة فى مصر؛ مع أن الشعب ثار ليغير واقعا، كئيبا فاستجار من الرمضاء بالنار، وبالرغم من أنه أسقط رئيسا واختار رئيسا أخر؛ إلا أن الأمد طال عليه فتحول إلى مهاجمة أى شىء وكل شىء حتى الرئيس الجديد؛ الذى تسرع بدوره فأوقعته الظروف فى هذه المعضلة فجمع بيديه كل السلطات، فوضع نفسه فى مرمى النيران، بينما جماعته تحاول كتابة الدستور؛ ليمكنوا لأنفسهم فى الأرض ما شاء الله لهم، وهم لا يعلمون أن حكم مصر خاصة فى هذه الظروف لم ولن يكون نزهة نيلية بين الغروب والعشى. 
مع ذلك و فى ظل كل هذه المعاناة ؛ هل تعى تلك الحكومة الجديدة سبب ما نحن فيه من محن وبلايا؟ وهل لديها علاجات سريعة؟بالطبع لا مجال لمن ألقى بنفسه فى أتون المعترك السياسى واستبق لتصدر المشهد أن يتذرع بعجلة المطالبين، و ليس له المطالبة بالمزيد من الوقت بحجة أنه اكتشف فجاة إستفحال المشكلة؛ لابد له من إعادة النظر فى كل النظم الداخلية وعلى رأسها النظام الإقتصادى، ولابد من التعامل بأفكار أكثر ملائمة لواقعنا وفقرنا من تلك التى يفرضها علينا صندوق النكد الدولى، الذى لا يهدف إلا لتوجيه سياسات الأعضاء الصغار فيه لمصلحة الأعضاء الكبار؛ بنظرة سريعة على ما حدث من بيع للدولة وملكيتها وشركاتها وإلغاء القوانين الإشتراكية وما صاحبه من ظلم إجتماعى وأنصراف كامل للحكومات المتعاقبة عن لعب أى دور لتنمية ثكالى وأرامل القطاع العام ، وما حدث من تقليص كبير جدا لأعداد الجنود فى القوات المسلحة مع عدم ضمان بدائل نظامية تستوعب كل هذه الاعداد من الشباب وأرباب الأسر؛ كل هذا كون لدينا على مدى عقود ؛ جيشا عرمرماً من العشوائيين ، وصنع مليشيات شعبية تعمل بقانونها الخاص، وتبيع أى شىىء لمن يشترى،وتشترى أى شىء ممن يبيع . 
لقد أصبحت مصر بالفعل محتلة بغوغائية كبيرة، وعلا فيها صوت الهمج والخارجين على القانون؛ وهم من الكثرة بمكان بحيث أصبحوا الشوكة الاكبر والأخطر فى خاصرة أى حصان سياسى شريف يسابق من أجل بلاده فى حلبات المستقبل؛ هؤلاء هم المرتزقة الذين صنعتهم يد الماضى البغيض، وجندتهم قوات أمن دولة العادلى ،و أولئك من يعرفون اللعب بين الكبار ؛ تعلموا وفهموا دورهم فى تحدي الرهانات و المكاسب السياسية و مدى لدد وقذارة الخصومات السياسية بين النخب الغنية؛ كما أنهم يفهمون أن الطريق للحكم لم يعد سالكا أمام أحد إلا إذا استطاع أن يملا الميدان بأنصاره ليبدوا للناس وللعالم أنه ذو شرعية ضاغطة تستطيع أن تفتح له أبواب التفاوض ؛ فامتهنوا حرفة توريد وتنظيم الحشود لمن يدفع .
لقد أصبحت البلطجة مهنة منظمة بشكل مخيف، تدر عائداً طيبا ، وأصبح لها أباطرة يحشدون الناس ويقسمون عليهم غنائم الحرب؛ أولئك اللذين كانوا قديما يطلق عليهم فى عهد الملكية والخديوية اسم: "كدابين الزفة"، اصبحوا اليوم يصنعون التظاهرة ويهدمونها على رؤوس من يقومون بها فى آن واحد ، يشوهون الثائر الشريف ويخرجون المظاهرات عن مضامينها ، و لكل شىء عندهم ثمن ولهم فى كل حدث مساهمة مؤلمة؛ وفى أوقات الفراغ يفترشون الطريق و يتاجرون فى أى شىء و يعتدون على ما تقع عليه أيديهم .
لو أننا نرى هذه المشكلة كما ينبغى، ونقدر خطورتها ؛ لوصلنا لتحليل الأسباب التى أدت إليها؛ ومن الأسباب يمكن الوصول للحل؛ حسب تحليلى الخاص: يعود كل ما هذا أو بعضه، لسبب اقتصادى وآخر نظامى، وعلاجه يجب أن يكون اقتصاديا نظاميا، وهذا العلاج يجب أن يكون سريعا فعالا للتعجيل بضم هذه الملايين المزعجة التى تعيش خارج دائرة الوطنية ؛ وإن كأنت تشاركنا تراب هذا الوطن؛ لذلك أقترح،على سبيل المثال: إعادة النظام الإقتصادى المختلط الذى يجمع بين الإشتراكية والرأسمالية، و يطبق نظم الملكيات و القطاعات العامة القادرة على استيعاب كل هذه الأعداد من البشر وهذا طبعاً لا يتعارض مع المنشئات الخاصة ولا يضر بالإستثمارات الأخرى العالمية أو المحلية؛ والسبب فى المطالبة بذلك تعود لاسباب عده أهمها: أن الجيش والقطاع العام-كهياكل لها أهداف اجتماعية غير هادفة للربح - ملائمة لواقع الكثيرين وتساعد فى ترقية الشعوب نظاميا وتعميق إحساسهم بالأنتماء والوطنية و الملكية، وفى إشعارهم بالعدالة والمساواة والأمان الإجتماعى، وليس معنى أننا أخطئنا فى إدارة هذا القطاع من قبل؛أن العيب كامن فيه، ومع ذلك يمكن تلافى عيوبه من خلال ما عرض لنا من خبرة السابقة ، ولكن لا يمكن أغفال دورهاتين المؤسستين فى إعادة النظام وترقية المجتمعات الفقيرة دون الدخول فى حلول أمنية لا تفيد، ودون اللجوء لإستيراد مزيد من الظلم والإستدانة والتبعية لصناديق الإستعمار التى تضخ المشاكل للحكومات وتمص الدماء من الشعوب.

السبت، 1 سبتمبر 2012

مما قرأت لكم .. اسامة برهان في الوطن


أسامة برهان لـ«الوطن»: «مرسى» لم يكن الفائز بالرئاسة.. ونجح بضغوط «الإخوان» والخارج

أمين «الاستشارى»: مصدر بـ«العليا للانتخابات» أخبرنى أنهم أمام خيارين: إما إعادة الانتخابات فى 15 محافظة.. أو إعلان فوز «شفيق»
كتب : خالد عبدالرسولتصوير : عمر زهيريالجمعة 31-08-2012 08:21
أسامة برهانأسامة برهان
الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين لم يكن هو الفائز الحقيقى فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، هذا أهم ما يكشف عنه أسامة برهان، الأمين العام للمجلس الاستشارى ونقيب الاجتماعيين فى الجزء الثانى من حواره مع «الوطن»، الذى يواصل فيه حديثه عن أسرار الفترة الانتقالية، كاشفاً عن العلاقة بين ثلاثى، ارتبطت به تلك المرحلة بشكل كبير، هو المجلس العسكرى، وجماعة الإخوان، والمجلس الاستشارى.
برهان، أكد أن «مفاصل الدولة» هى التى ساعدت الإخوان فى الانتخابات البرلمانية، كما كانت هناك معلومات عن اختراقهم للجيش، وأن هناك ضغوطاً، مارستها الجماعة وقوى خارجية فى الساعات الأخيرة قبل إعلان النتيجة النهائية لجولة الإعادة، أدت لإعلان فوز مرسى، بدلاً من «شفيق».. المزيد من الأسرار فى نص هذا الحوار:
* كيف تفسر صعود تيار الإسلام السياسى وحصوله على الأغلبية فى البرلمان؟
- أرى أن «مفاصل الدولة» ساعدت تيار الإسلام السياسى فى الوصول للأغلبية التى حصلوا عليها، والمجلس العسكرى «طنش» لأنه ورث الصفقة التى أبرمها معهم عمر سليمان، قبل تنحى حسنى مبارك بـ4 أيام وتتضمن: حزب معلن، وحرية حركة، وانتخابات تساعدهم الدولة فيها. ومفاصل الدولة التى أقصدها هى؛ وكيل الوزارة، ونائب الوزير والمحافظ، ونائب المحافظ، وهى تربت منذ 30 إلى 40 سنة، على أنها مع «إللى قاعد على الكرسى». وكان من الواضح أن الإخوان سيجلسون على الكرسى، وأى وكيل وزارة لا بد أن يكون عنده مجموعة قدرات خاصة، يستغلها لكى «يركب القطر مع إللى سايقه».
وأنا حضرت الانتخابات فى أماكن كثيرة، ورأيت فى السيدة زينب مثلاً الصندوق كان ممكن يتباع لصالح الإخوان «بطقم شاى وعلبتين سجاير». ففى المرحلة الأولى من الانتخابات انسحب الموظفون عشان عايزين يزودوا مكافآتهم، والمستشار رئيس لجنة الانتخابات، عبدالمعز إبراهيم، أصدر قراراً بأن مندوبى المرشحين هم من يفرزون الصناديق. ومندوبو التيار الدينى، سواء إخوان أو سلفيين، كانوا يصلون الفجر ويذهبون إلى اللجان، والمفترض أن عدد المندوبين لا يزيد على حد معين، وفى أول مرحلة كانوا هم من قاموا بعملية الفرز.
* سبق واقترحتم على المجلس العسكرى عقب إعلان النتائج تعيين 30 شاباً من شباب الثورة فى مجلس الشعب، ما قصة هذه المبادرة ولماذا لم تنفذ؟
- الفكرة جاءت بمبادرة اقترحتها، وعدد من أعضاء «الاستشارى»، بأن يجرى تعيين 30 من شباب الثورة فى مجلس الشعب، بدلاً من 10، واتفقنا مع المجلس العسكرى على ذلك، لكنه تراجع عنها، واجتمعت بعدها مع قيادة رفيعة فى القوات المسلحة، وسألته: «ليه عاملين حساب للإخوان جامد كده؟ وليه بنتفق على حاجات وبعد يومين كأن مفيش حاجة؟». قال لى: «إحنا مش خايفين من الإخوان إللى بره. إحنا خايفين من إللى جوه»، يقصد داخل الجيش. وكانت فكرتنا أن نأتى بشباب مستقل فعلا، «مش بتوع المخابرات وأمن الدولة علشان يوزنوا مجلس الشعب»، فلم يكن أحد يتوقع الأغلبية الكبيرة التى أخذتها تيارات الإسلام السياسى.
سألت قيادة رفيعة فى القوات المسلحة: «ليه عاملين حساب جامد للإخوان؟» قال لى: «إحنا خايفين من إللى جوه» يقصد داخل الجيش
* إلى أى حد تعتقد أن كلام هذه القيادة العسكرية كان دقيقاً بخصوص اختراق الإخوان للجيش؟
- أعتقد أنه كان صادقاً، بدليل الانقلاب الذى حدث مؤخراً، وأنا فى اجتماع سابق مع المجلس العسكرى، استأذنته أن أعلن عن هذه المعلومة، ومعلومات أخرى قالها لى عن أن الأحداث التى وقعت أمام ماسبيرو وغيرها كانت وراءها ميليشيات إخوانية موجودة فى الجيش. والتجربة، من وجهة نظرى، تؤكد أن هناك «خلايا نائمة»، عندك مثلا رئيس لجنة الأمن القومى فى مجلس الشعب المنحل، عباس مخيمر.. اكشف عليه؛ ستجد أنه كان يشغل من 3 إلى 4 سنين مدير المخابرات العسكرية، وبعد ذلك ترشح على قائمة الحرية والعدالة فى الانتخابات، وهذا كان مديراً للمخابرات العسكرية التى كانت مهمتها مطاردة الإخوان فى الجيش، ونحن حتى الآن لا نعرف عدد أعضاء جماعة الإخوان، وما هى أسماؤهم؟، والجماعة كانت تصدر أمام أمن الدولة ناس معروفة، فى حين أن الباقين كانوا «خلايا نائمة».
* ما كواليس قصة اقتحام مقرات مراكز حقوق الإنسان التى تفجرت بعد انتخابات الشعب، وهل كان لها علاقة فعلاً بصعود الإسلام السياسى فى الانتخابات؟
- اقتحام مقرات المراكز الحقوقية، من قبل قوات الشرطة والجيش، كان المقصود به فقط، المعهدين الجمهورى والديمقراطى، والأول كان يدرب الإخوان المسلمين على الانتخابات، بينما كان الثانى يدرب السلفيين، لذلك فإن أداء السلفيين فى المرحلة الثالثة من الانتخابات تحسن كثيراً، بهدف عمل توازن بينهم وبين الإخوان، وهذه المعلومات كانت فى تقرير جرى توزيعه علينا فى المجلس الاستشارى، أعدته لجنة تقصى حقائق شارك فيها الدكتور عبدالعزيز حجازى. وأرادت الحكومة وقتها أن «تلعب لعبة»، وتوقف تعامل هؤلاء الناس مع هاتين المنظمتين، بعد أن أفلت الموضوع من يدها، وأصبحت هناك أموال وتمويلات قادمة من السعودية وقطر وأمريكا.
* هل تقصد أنه كان هناك هدف وطنى من وراء اقتحام المقرات؟
- طبعا.. ولكن الحكومة لم تتمكن من استكمال اللعبة، فهناك ناس وطنيون وشرفاء جداً، كانوا فى الحكومة والمجلس العسكرى.
التأسيسية ومعايير الدستور
* ما آخر ما توصلتم إليه فى موضوع معايير التأسيسية والدستور، وما كواليس الصراع الذى دار فى هذا الصدد؟
- آخر شىء أننا توصلنا لاتفاق مع المجلس العسكرى بالموافقة على مجموعة من المعايير لتشكيل التأسيسية تبدأ بأنه لا يتم الاختيار بحسب الأسماء ولكن بحسب الصفة، كأن نقول رؤساء محاكم، يطلع رئيس المحكمة اسمه جرجس، محمد ملناش دعوة، وعمداء كليات حقوق ورؤساء أحزاب، ونقابات مهنية و4 من اتحاد عمال مصر، وفى رأيى كان هذا هو الحل، وبذلك يكون لدينا 80 شخصاً يجلسون معاً ويختارون 20 من أساتذة القانون الدستورى، هنا الدستور كان سيصبح معبراً عن الناس كلها، والتأسيسية وقتها كانت ستضم أناساً منتخبين كعمداء الكليات ورؤساء النقابات المهنية، لكن بعدما جلسنا مع العسكرى وأخذ بهذا الاقتراح، واتفقنا، فوجئنا بعد 3 - 4 أيام بشىء آخر. ودخل المشير مع رؤساء الأحزاب فى اجتماع، وقالهم الكلام ده. وفى هذا الاجتماع كان ممدوح شاهين عرض أن يأخذوا 25 عضواً من مجلس الشعب بدل 50، وأنا سألته هل قرأت حكم القضاء الإدارى بخصوص حل التأسيسية الأولى، ألا تعرف أن الحيثيات جزء لا يتجزأ من الحكم، والحيثيات تقول إن من ضمن أسباب حل اللجنة الأولى أن فيها نواباً، وقلت له «أنا كنت شاكك فيك من الأول دلوقت أنا متأكد إنك شغال مع الجماعة دول (الإخوان)»، فضحك ولم يرد، لأن كان فيه كلام إن هناك معلومات تتسرب، وقبل أن نعلنها نفاجأ بالإخوان يعلمونها، وقلت للمشير هذا الكلام، (وممكن يكون شاهين عميل مزودج.. بيشتغل لحساب الطرفين وكلاهما يريده).
المهم، أعطيت حيثيات الحكم للفريق سامى عنان، وطلبنا يومها من القوات المسلحة أن تعمل إعلاناً دستورياً مكملاً ينص على هذه المعايير، وأن تكون التأسيسية الجديدة مستقلة غير تابعة لأحد، ومدتها 3 شهور، وتطبع ما تنتجه فى المطابع الأميرية، بتعليمات من رئيس الجمعية المنتخب من الأعضاء، ثم يجرى طرح الدستور على الشعب فى استفتاء، لكن للأسف الإخوان لعبوا اللعبة وحدهم، والحكم والجمهور والفريق التانى كانوا «مسطولين». النهارده أنا لو مكان الجيش ومطلوب منى أسلم البلد، ولا توجد قوى منظمة يمكن أن أتحدث معها غير الإخوان المسلمين.. أعمل إيه؟ «نجيب بتوع الأحزاب يتخانقوا!!، ومفيش حد بيقعد مع العسكرى وليه حد فى الشارع غير الإخوان، شوف أكبر حزب مدنى يقدر يحشد كام واحد.. ألف!!. ولما تيار الإسلام السياسى عمل «جمعة قندهار» فضوا التحرير. وده كان عنصر ضاغط على العسكرى. ومرة الفريق سامى عنان قال لى «إحنا مش عاجبنا إللى بيحصل وعايزين نعمل توازنات ولكن مفيش طرف تانى».
القوى المدنية ارتكبت جريمة فى حق الوطن بعدم اتفاقها وجريها وراء «التورتة» ومصر كانت «دبيحة معلقة»
* كيف تقيم أداء القوى المدنية فى موضوع الدستور والتأسيسية؟
- القوى المدنية ارتكبت جريمة فى حق الوطن، بسبب عدم اتفاقها و«جريها ورا التورتة، كان فى «دبيحة معلقة» اسمها مصر، وكل واحد بيخطف منها حتة. وكل ما يقعدوا مع بعض ينفضوا دون اتفاق، وبمجرد أن ينصرفوا كل واحد يتكلم على التانى.. عندك حمدين صباحى مثلا، رمى الـ4 ملايين صوت إللى أخدهم فى الشارع، وبعدين فيه زعيم يروح يعمل عمرة والانتخابات شغالة، ومش عمرة ولا حاجة، هو كان بيهرب، وفى حسابات ضيقة وعشان كده المجلس العسكرى كان عنده حق إنه لا يثق فيهم، حسن نافعة مثلا عطلنا شهرين ونص، وقال نعمل لجنة وندعو كل الأطراف لفنجان شاى، ونتحاور عشان نوصل لمعرفش إيه. وقلنا له الإخوان واخدين موقف تقعد معاهم ليه؟ ونيجى الاجتماع اللى بعده يقول ضيفوا على جدول الأعمال كذا. وبعدين يقول سيبونى أقعد الأول معاهم لوحدى. والأسبوع إللى بعده يقول أنا قعدت مع الأطراف بس عصام العريان ما جاش. ويضيع أسبوع جديد. وأنا شخصيا قلتله عايز أحضر معاك فى اللجنة دى ورفض، وقال لى انت بتتخانق. قلت له «طيب يروح معاك سامح عاشور، فما يقولوش على معاد الاجتماع». وأعتقد أن المصالح هى التى كانت تحركه للقيام بذلك، أو طُلب منه هذا الدور. وعندما قلنا له سلمنا تقرير عن نتيجة جهودك فى اللجنة، قال أنا مسافر قبرص، وهو فى قبرص أرسل جواب للأهرام باستقالته من الاستشارى. وبالمناسبة حسن نافعة، فى أول مرة يقابل فيها وزير الداخلية، طلب منه إنه يجدد رخصة عربية، فبعد موقعة مجلس الوزراء، كان فيه ولاد وبنات كلبشوهم، وكنا بنطلب من الوزير أنا وسامح عاشور فك الكلابشات. ونافعة دخل ورانا، وبدل ما يأيدنا فى كلامنا طلب من الوزير يجدد رخصة العربية.
ذهبت و«عاشور» لوزير الداخلية لمطالبته بفك الكلابشات عن معتقلى مجلس الوزراء.. ففوجئنا بحسن نافعة يطلب منه تجديد رخصة «العربية»
أما بالنسبة للائتلافات الكثيرة التى ظهرت بعد الثورة، فكانت هناك خطة من جانب الإخوان لاختراقها.. على سبيل المثال، محمد رفاعة الطهطاوى، الذى أصبح الآن رئيس ديوان رئيس الجمهورية كنت كلما أذهب للجمعية المصرية للإخصائيين الاجتماعيين، والنقابة، أجده مع شبابنا، والطهطاوى وغيره، جزء من «الخلايا النائمة»، التى اخترقت الائتلافات الشبابية، لكى توجهها وفقاً لمصالح الجماعة فى الوقت المناسب.
«الانقلاب الأخير»
* كيف كانت كواليس الفترة منذ بداية جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حتى إعلان النتيجة؟
- مرسى لم يكن الفائز فى جولة الإعادة، وقبل إعلان النتيجة بساعة إلا ربع كلمت عضو مهم فى لجنة الانتخابات الرئاسية، وكان الكلام عن خيارين: إما إعادة الانتخابات فى الـ15 محافظة إللى اتحطت فيهم الـ3 مليون ورقة المزروة من المطابع الأميرية وعثروا على ألفين فقط منها، أو يعلنوا النتيجة الحقيقة بفوز الفريق أحمد شفيق، وفى المؤتمر الذى أعلنوا فيه النتيجة قالوا أنهم أمسكوا 2000 منها فقط، لكن أين بقية الأوراق ومن الذى أخفاها وأين القضية.. ماتت مثل قضايا أخرى كثيرة.
ويضاف لما سبق أنه قبل إعلان النتيجة بيومين، تم الإعلان عن ضبط 100 صاروخ «عابرة مدن» فى كل من الإسماعيلية وقنا، وإسرائيل أعلنت حالة التأهب بسبب ذلك، لأن ذلك خطر عليها. وهناك بند فى معاهدة كامب ديفيد يقول إن المنطقة «ج»، منزوعة السلاح، التى بيننا وبين فلسطين، ويحق للجيش الإسرائيلى احتلالها فى حالة ما إذا شعر بأن هناك خطراً يهدد الأمن فى مصر، وبالتالى يهدد أمن إسرائيل، وهذا هو التهديد الذى حدث فى آخر لحظة للجيش المصرى، حتى يجرى حسم الموضوع لمصلحة مرسى، وهذا الكلام جزء من مخطط سيحدث فى منطقتنا خلال 10 سنين، مثلما حدث فى العراق، الذى قُسم إلى سنة وشيعة، وهو ما يحتاج 200 عام لإصلاحه، المقصود أن يكون فى المنطقة كلها غرب سنى، فى مواجهة شرق شيعى، وهذا الكلام بدأ فى الظهور بعد أن تأخرت النتيجة بعض الوقت، بسبب الإخوان وبعض الأجهزة.
* هل كنت تتوقع القرارات الأخيرة التى أزاحت المشير والفريق عن المشهد؟
- لم أستطع توقعها.. لكن كنت أعرف أن هناك صفقة بين أمريكا والمجلس العسكرى والإخوان و6 أبريل، وهى حركة ليست مع الإخوان، ولكن لعلاقتها بالمخابرات الأمريكية طُلب منها أن تكون مع الإخوان. أمريكا يهمها إيه فى المنطقة غير إسرائيل؟ وحتى تظل إسرائيل فى وضعها الحالى لازم مصر تفضل راكعة، ومفيش حاجة اسمها أمة عربية ولا قومية، ومصر لما بتقع كله بيقع، ولازم يبقى فيه حسنى مبارك تانى فيما يتعلق بإسرائيل.
* فى ضوء كلامك السابق هل تعتقد أن الإطاحة بالمشير وعنان والتغييرات الأخيرة كانت سيئة بالنسبة للثورة؟
- طبعا.. لأن الجيش كان حامى القوى المدنية التى بادرت بعمل الثورة، الآن أنت طلعت الجيش بره المعادلة، وأرى أن أداءه فى موقفين أو 3 كان خطأ، عندما اعتدى على المتظاهرين، لكن هذا الأداء تحسن، ففى العباسية لو كان فى اتنين «نطوا» ودخلوا وزارة الدفاع كانت إسرائيل دخلت احتلت المنطقة (ج)، ولو قعدت فيها مش هتمشى، ووزارة الدفاع لم تقتل أحداً، رغم أن الطرف الآخر كان يحمل السلاح، وكانت هناك خيمة للقاعدة فيها سلاح، أما البلطجية فجزء كبير منهم مرتبط بأصحاب البيزنس، الذين أرادوا أن يحافظوا على مصالحهم من الإخوان. وبعد الثورة كان فى كتلتين فى البلد: كتلة منظمة جداً وعلى اتصال بالأجهزة، وهى تيارات الإسلام السياسى، وأخرى هى القوى اليسارية والليبرالية والعلمانيون، وشباب الفيس بوك الذين بدأوا الثورة، ولبعضهم ارتباطات خارجية، وكل القوى التى كانت ضد الثورة، أرادوا ألا تتجاوز الثورة مجموعة مظاهرات تغير جزءاً من النظام أو رأسه فقط، وكان بين هذه القوى أعضاء فى المجلس العسكرى، لأن «دول ناس مش حاسه بثورة انت بتتكلم عن ناس عندها 70 سنة، وبقالها 30 - 40 سنة، تأخذ تعليمات، وبعدين فجأة اشتغل سياسة، ولكن فى النهاية، كان الجيش كتلة بين الطرفين لصنع توازنات لحساب القوى المدنية، خصوصاً بعد 4 أشهر من توليه المسئولية، وتورطه فى الإعلان الدستورى والاستفتاء، وبعد أن أُجريت الانتخابات، وكان الاتفاق قبلها على وصول التيار الدينى لثلث التمثيل، وجدنا أنه حصل على 72% من المقاعد، هنا بدأ الجيش فى عمل التوازنات، وهم الآن يمارسون «البلطجة» على الجميع لأن القوى التى تصنع التوازن لم تعد موجودة.
* كانت هناك دعوات لاستمرار الاستشارى بعد إعلان نجاح مرسى، فلماذا ظهرت وكيف اختفت؟
- كلمنى شخص من جهاز كبير جداً، وطلب منى أن أدعو لاستمرار المجلس الاستشارى لمدة شهرين، حتى نتمكن من عمل التعديلات الدستورية، ولأننى كنت أرى الظلام المقبل، أصدرت بياناً نُشر على الإنترنت، طلبت فيه استمرار «الاستشارى» لشهرين بعد انتخاب مرسى، وإجراء تعديل دستورى للمادة 60، وكان كل همى وقتها هو الدستور، «إللى خلاص راح فى داهية»، وقد كنا انتهينا بشكل فعلى من وضع معايير مناسبة لعضوية التأسيسية، وأردت أن نضغط لنقرها، لكن المجلس الاستشارى رفض الاستمرار، وأصدر بياناً بذلك، لأنه طبقا لقرار إنشائه فإن مهمته كانت تنتهى مع انتخاب رئيس الجمهورية. والخطورة لم تكن فى الرئيس، وإنما فى التأسيسية التى ستكتب الدستور الجديد للبلاد، والجميع يعلم أنه سيكون «ملاكى» لحساب جماعات الإسلام السياسى.