الأحد، 23 يناير 2011

نظريه المؤامرة وخريطه الدم




أنها سنة غريبة جداً سنة 2011 .... منذ الدقائق الأولي في يومها الأولي وهي تفصح عن وجه غريب تلاحقنا الأحداث فلا نفرغ من حدث ولا نكاد نلتقط أنفاسنا حتي يداهمنا حدث آخر أكثر غرابة!

دخلت علينا 2011 بحادثة كنيسة القديسين، تلك الحادثة الإرهابية المجرمة التي استهدفت الكنيسة وروداها ليلة الاحتفال بالسنة الجديدة، وكانت حادثة مروعة جففت التهانئ علي شفاهنا وقلبت فرحتنا بالعام الجديد لحزن والتفائل لقلق وترقب، منذ اللحظة الأولي لم أر الحادث مجرد حادث طائفي قصد مجموعة الأقباط، رغم أنه يبدو كذلك، لكنني أحسسته عملاً إرهابياً ضد مصر كلها دخل إليها من بوابة الفتنة الطائفية، من خطط لهذا الحادث الإجرامي كان يتصور أو يتمني أو ينتظر أن يتشابك الشعب في بعضه بكل الغل الطائفي العقائدي يمزق في وجه بعض البعض، لكن المصريين فطنوا للمكيدة التي يدفعوا إليها، المصريين كلهم، الحكومة والشعب والإعلام والصحافة فطنوا أنهم يدفعون لهاوية وكارثة بعمد، انتبهوا لخطورة ما حدث فتكاتفوا بمنتهي التعقل والذكاء وفي يوم قداس عيد الميلاد امتلأت الكنائس بالمسلمين يقفوا جنبا إلي جنب مع الأقباط يحتفلون بعيد الميلاد ورفعت أعلام الوطن فوق كل الأعلام وتوحدت البرامج التليفزيونية وقت القداس لتقدم احتفالية مصرية كبيرة مليئة بالضيوف والفنانين والأغاني تحت علم مصر، لم يكن التكاتف تلك المرة صورياً ولا ظاهرياً، لم يكن مزيفاً ولا منافقاً، وقتها بالذات تكاتف المصرييون من قلوبهم وفتحت ملفات كثيرة مغلقة أو منسية وأجمع الكثيرون علي ضرورة مناقشتها ومراجعتها، التطرف الديني، المواطنة، بناء دور العبادة و.... حزننا وبكينا وتمزقت قلوبنا علي الدم المصري الذي سال في تلك الجريمة بصرف النظر عن ديانة صاحبه لكننا وبمنتهي الوعي والبصيرة أفلتنا من الكمين الذي كنا ندفع دفعا له، نحن الوطن مصر!

وقبلما نفيق من هول الوجع والصدمة، وقع حادث سمالوط، ذلك الرجل الذي دخل القطار أطلق رصاصاته العشوائية فأردت بعض الأقباط قتلي، لم أر الجريمة طائفية، فالرجل لا يعرف الضحايا وكل الشهود أجمعوا - حسبما نشر في الصحف - أن الرصاص كان عشوائيا، لكن البعض صمم علي أنها جريمة طائفية قصد منها قتل الأقباط وأنها حلقة من مسلسل الاضطهاد بل وتجرأت إحدي الصحف الخاصة في طبعتها الإنجليزية علي الإنترنت لتنشر - كذبا - أن القاتل كان يبحث في أيدي ركاب القطار عن الصليب الأزرق ويردي من يجده موشوما علي ذراعه قتيلا، كذب مقصود وعمدي لاستثارة الغضب، فليس معقولا أن تنفجر الكنيسة ولا تنفجرون أنتم المصريين، فلا بد من دفعكم للهاوية للغضب للانفجار ولو كان بخبر كاذب متفبرك حقير سيأتي أثره المنشود من تفجير الغضب في النفوس ثم ينسي!

ومع هذين الحدثين، خرج علينا بابا روما بتصريحات مستفزة تتعامل مع مصر دولة الحضارة والتاريخ وكأنها قاصر تحتاج للوصاية والرقابة فإذ به يتكلم عن حماية حقوق الأقباط في مصر، بلهجة استعمارية متعالية وكأنه اللورد كرومر وقت الاحتلال الانجليزي لمصر، ويا قداسة البابا لا تدس أنفك في شئنا الداخلي ولا تمس سيادتنا بأقوالك و.... سحبنا السفيرة المصرية لدي دولة الفاتيكان للتشاور أو الاحتجاج أو لتوصيل رسالة دبلوماسية واضحة، نحن لا نقبل التدخل في شأننا الداخلي تحت أي مسمي أو أي مبرر! وسرعان ما يفصح ساركوزي عن قلقه علي أحوال الأقباط في مصر، هنا لا يتحدث ساركوزي باسم فرنسا الدولة العلمانية المدنية راعية الحريات وإنما يرتدي الخوذة والدرع اللتين كان يرتديهما الملك ريتشارد قلب الأسد وقتما أحضر الملاحين والحطابين والفلاحين من أوروبا ليغزو الشرق، وتحتج الخارجية علي تصريحات ساركوزي ويرد عليه الكثير من المصريين يناقشون مقولاته ومخاوفه منتبهين لمصريتهم والمكائد التي تحاك حول وطنهم واستقراره ووحدته حتي لو كانت تلك المكائد والمؤامرات الاستعمارية الحقيرة ترتدي ثوب ولافتات حقوق الإنسان ورعاية الأقليات!

كل هذا حدث في بضعة أيام من السنة الجديدة، حادثة كنيسة القديسين، التفسيرات المتعسفة لحادثة قطار سمالوط، تصريحات بابا الفاتيكان، تصريحات ساركوزي، هل كل هذا محض صدفة؟! لا أعرف من الذي ارتكب جريمة كنيسة القديسين، وليس مهماً من ارتكبها إلا من وجهة النظر الجنائية، شخص أو تنظيم متطرف، مصري أو عالمي، قنبلة محلية الصنع أو مستوردة من الخارج، هذه كلها تفاصيل تهم سلطات التحقيق وأجهزة الأمن، عليهم يعرفوا من الجاني ومن خلفه ومن حرضه ليحموا المصريين من شرورهم وجرائمهم، لكن من الناحية السياسية المهم هو معرفة من صاحب المصلحة من تلك الجريمة، ما الأهداف والنتائج السياسية المرجوة من مثل تلك الجريمة ومن سيستفيد منها؟ من الناحية السياسية مهم جداً فهم من صاحب المصلحة في تلك الجريمة وأيضا قدر سطوته علي الأدوات التي استخدمها للتفجير والحرق، فهم العلاقة بين هذا وذاك في منتهي الأهمية بل هي مسألة أمن قومي لأنها جريمة تهدد أمن الوطن كله فلا يمكن النظر إليها نظرة جزئية صغيرة «جاني ومجني عليهم وحكم جنائي»، لا، هي مسألة تستحق من كل الجهات المعنية بالدولة فهم الأبعاد والخلفيات والحلول وكيفية الوقاية من تكرار ذلك الأمر مرة أخري! علينا الانتباه للاحتقان الطائفي وعلاجه لأن بوابة الفتنة الطائفية هي البوابة التي ستدخل منها في الفترة القادمة كل الكوارث التي تهدد أمن الوطن وأمن مواطنيه وتهدد وحدته شعبا وارضا!

نحن ندفع لطريق التهلكة من قبل اعداء لهذا الوطن وهذا الشعب، اعداء استقراره ووحدته وحضارته وثقافته ودوره الإقليمي.. وحين أقول نحن ندفع أقصد ما أعنيه، فأنا أومن جدا بنظرية المؤامرة وأومن أن هناك من له مصلحة لدفعنا لطرق ومسالك مهلكة وصولا لتحقيق أهدافه ومصالحه سواء الخفية أو العلنية، فعندما يعلن من يسمواننفسهم أقباط المهجر علي شبكة الإنترنت في الأسبوع الاول من هذا العام 2011 انهم سيسعون لإعلان وتأسيس دولة قبطية في مصر، لا يمكن أن أعتبر أن هذا الحديث هزلا ولا لغواً، سيما أنه إعلان يأتي بعد الحوادث الطائفية المتكررة وآخرها الإسكندرية.. يأتي بعد تصريحات البابا وساركوزي بضرورة حماية الأقباط المضطهدين، ويأتي بعد الاستفتاء علي انفصال جنوب السودان كدولة علمانية مسيحية عن دولة مسلمة في الشمال!

نعم احتاجت السودان ثلاثين سنة من اللحظة التي حكم فيها البشير بالشريعة الإسلامية - حسب زعمه - وقطع ايدي السارقين وحتي اصبح هناك دولة مسيحية علمانية يستفتي الشعب علي انفصالها، خلال الثلاثين سنة، صرخ المسيحيين السودانيون ومعهم المنظمات الدولية كلها المعنية بحقوق الانسان احتجاجا وغضبا علي اضطهاد المسيحيين وقطع ايديهم وتطبيق الشريعة الإسلامية عليهم، وكان صراخهم حقا يصف مأساة كلنا رفضناها، لكننا وقتها لم ننتبه أن ما يحدث ليس الا حلقات من مخطط منظم تقاد له السودان، فالبشير لم يراجع نفسه أو يتراجع واستمر يطبق الشريعة الإسلامية- حسب تصوراته - واستمر المسيحيون يصرخون ويستنجدون بالمجتمع الدولي، وسرعان ما اندلعت حرب أهلية مات فيها ملايينا سوداني وتشرد وجرح اربعة مليون ومرت ثلاثون سنة حتي اصبحت دولة الجنوب العلمانية المسيحية جاهزة للانفصال!!! وحين تنفصل تلك الدولة العلمانية المسيحية عن السودان الشمالي المسلم، ستكون اولي الدول الدينية الطائفية التي توجد في المنطقة التي كان اسمها قديما العالم العربي لكن امريكا اعدت له خريطة جديدة أسمتها "خريطة الدم" لاعادة تقسيمها لكانتونات طائفية وعقائدية ومذهبية، لينسي هؤلاء انتماءهم جميعا للعرب ولينسوا وحدتهم ومصيرهم المشترك وليتشرذموا في دويلات متطاحنة علي اسس دينية وعقائدية وطائفية، سنة وشيعة، أقباطاً ومسلمين، اكراداً وعرب وبربراً واهل النوبة!

لماذا أتحدث عن السودان الآن، لأن الاستفتاء علي انفصال الجنوب أيضا كان في بداية هذه السنة الغريبة !! ولان دولة الجنوب كانت فكرة مجنونة لم يصدقها احد من ثلاثين سنة لكنها اليوم صارت حقيقة !!! ولان الدولة القبطية التي يقول عنها أقباط المهجر هي فكرة مجنونة لا يقبلها ولا يصدقها احد، لكننا لو لم ننتبه لحجم المكائد والكوارث والجرائم التي تحاك حولنا والاستفزاز والتطاحن والتلاسن الطائفي العقائدي الديني ولو لم ينتبه كل منا بمنتهي الوطنية لما يقوله وما يفعله في هذا الوطن ربما يأتي يوم أحمد الله انني لن أعيشه ربما بعد خمسين أو مائة سنة تعلن فيها الدولة القبطية في مصر انفصالها عن الدولة المسلمة فيها! فتكون الهزيمة النكراء للوطن وكل ابنائه ابتداء من مينا الذي وحد القطرين من سبعة آلاف سنة حتي اصغر رضيع لا يفهم شيئا بعد، ستكون الهزيمة النكراء لهذا الوطن الهزيمة لحضارته وتاريخه وثقافته ولدوره الاقليمي في المنطقة التي ستتحول لكانتونات طائفية عقائدية في نفس الوقت الذي تتوحد فيه أوروبا وتصيغ كيانا اقتصاديا سياسيا ضخما اسمه أوروبا الموحدة، في نفس الوقت يخرجون لنا من الادراج خريطة الدم لتقسيم المنطقة وشرذمتها طائفيا وعقائديا ودينيا.

إنها سنة غريبة 2011 ... وكأن فيها انطلقت علامة البدء لمخطط شرير لا أعرف أبعاده بالضبط علي الوطن وامنه واستقراره ووحدته وامن مواطنيه ووحدتهم !!! هل ابالغ هل أهذي؟! أتمني !!! هل ما أقوله لن يحدث ابدا؟! اتمني !!! مع هذا انا احذر وأنبه وألفت انظار ابناء الوطن أن «خريطة الدم» تنتظركم ما لم تتوحدوا وتنتبهوا لأهمية وحدة وطننا ووحدتنا الآن وغداً وحتي نهاية الحياة! وما زال للحديث بقية!

مقالي المنشور في جريده روز اليوسف اليوميه 23 يناير 2011

الاثنين، 17 يناير 2011

لم يعجبني الفيلم !!!!أ


فتحت التليفزيون قتلاً للملل وللوحشة، أبحث عن أي متعة عقلية وذهنية تروح عن النفس كل ما يحيط بها من أحداث ساخنة كئيبة موجعة، قررت أفر من استفتاء تقسيم السودان وتمزيقه وفصل الجنوب عن الشمال، وأفر من جريمة سمالوط وأحزانها، وأفر من انتظاري الحكم في جناية مقتل الأقباط في نجع حمادي، أفر من مظاهرات تونس والجزائر، أفر من تصريحات أقباط المهجر والدولة القبطية التي يقولون، وهماً وجنوناً، إنهم سيعلنونها في مصر، أفر من استفزازات ساركوزي وبابا الفاتيكان بشأن أقباط مصر وتصريحاتهما الصليبية التي تذكر بأجواء قرون بعيدة احتلت فيها الأراضي بحثاً عن كنوز الشرق تحت رايات الصليب التي ترفرف فوق رؤوس الجنود الغازين، أفر من البيانات اللقيطة علي الإنترنت تهاجم الأقباط وتتوعدهم وكنائسهم، أفر من السنة الجديدة التي دخلت علينا ساخنة بأحداثها المتلاحقة لا نكاد نلتقط أنفاسنا حتي تقطعها مرة أخري بحدث أكثر سخونة ووجعاً وهماً.


فتحت التليفزيون اتمني شيئا يشحذ بقايا الأمل في روحي وينبت أي زهرة في قواحل الصحراء التي تحتلني وكل هذا الهم يحيطني ويوجعني، ربما طمحت لبرهة قصيرة في مشاهدة فيلم أو برنامج يسعدني! نعم فالسعادة حق مشروع للجميع، ولا بأس من البحث عنها في أي مكان ولو كان التليفزيون لو أغلقت كل السبل الأخري في وجهه!

تنقلت بين قنوات الأفلام العربية المشفرة والمفتوحة، أبحث عن شيء لا أعرفه بالضبط، أتمني أن أعثر علي ما يصالحني ولو مؤقتا علي الدنيا الكئيبة التي تحاصرنا بهمها، واهمة أنا! أستجير من الرمضاء بالنار.. وكأن كل الهم الواقعي الذي يحيط بنا لا يكفينا! طبعا لا أبحث عن فيلم تافه مبتذل وضحكات قسرية لا تضحك، لا أبحث عن شيء يستخف بعقلي ومشاعري مثلما يفعل الكثير من الأفلام، كنت أبحث عن ومضة إنسانية دافئة تذكرني بإنسانيتي وتشحذ الأمل فيها وتقويها في مواجهة الحياة، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

وجدت فيلماً تمثل فيه ريهام عبدالغفور وباسم السمرة وحنان مطاوع وآخرون لا أعرفهم، فيلم تدور كل أحداثه في "الغابة" وهذا هو اسم الفيلم.. أطفال تعيش في الشارع تشم "كولة" وتتراشق بالمطاوي، أطفال فارة من أسرها لأسباب لم يقلها الفيلم، ربما أحدهم مخنوق أو تساء معاملته.. يعيشون في الشارع بين القمامة وتحت الكباري، يرتكبون الجرائم ويفرون من البوليس ويتعاونون معه ويتحولون لمرشدين له، يبلغون عن بعضهم البعض.. بنات فارة من أسرها، من تعمل في الدعارة ومن تحتمي ببلطجي... من تحمل سفاحا طفلا تحلم بتعليمه، مشاجرات بين الفتيات تنتهي بتمزيق وجه إحداهن، داعرة بوجه ممزق ينفر منها الزبائن، تعرض جسدها عليهم وتسرقهم من أجل جمع مال لعملية تجميل ترفع عن وجهها العلامة التي توصمها، تسرقهم وتقتل أحدهم وتختفي.. لا أحد يعثر علي الجثة ولا يطاردها، فالقتل سهل والدعارة أسهل وشم المخدرات ممكن والكولة متاحة للأطفال الصغار الفارين من أسرهم. "الغابة" أطفال وفتيات وشباب يعيشون في "الخرابات وبين سيارات الخردة"، يدخنون المخدرات والكولة ويتضاربون بعنف ووحشية، جنازير.. مطاوي.. سنج، ضرب ودماء كثيرة، أب يغتصب ابنته في مشهد قبيح منفر، فتسيل دماء عذريتها بين يديه فتفر منه وتعرض جسدها علي مجموعة من الشباب ليتكاتفوا ويقتلوه، لكن أخاها الصغير يقتل أباه بدلاً منهم، بلطجي يضرب عاهرة لسرقة مالها الذي أدخرته لعملية التجميل، يضربها ويسرقها ويبصق عليها، بعضهم يوشي بالبعض الآخر لدي البوليس، ضابط بوليس مرتعش يقبض علي بلطجي ثم يفر منه ويطلق عليه رصاصاً لا يصيبه، فتيات أنيقات يركبن سيارة فارهة، أعضاء في جمعية لرعاية أطفال الشوارع، يذهبن حيث هؤلاء الأطفال بملابس أنيقة رائعة تبرز أنوثتهن وجمالهن، ينزلن من سيارتهن الفارهة التي تمنحها الكاميرا كادراً خاصاً ربما للسخرية من هؤلاء الفتيات المرفهات اللاتي يتمنين دخول الجنة فيوزعن ملابس جديدة علي الأطفال الذين يسخرون منهن مرة ثانية - هم وصناع الفيلم - ويبيعون تلك الملابس ويجلسون علي القهوة بثمنها، يتفرجون علي التليفزيون.

سيدة وزوجها تصل إلي مقلب الزبالة بصحبة أمين شرطة بحثا عن خاتمها الماسي الذي ألقته خطأ في الزبالة، تعرض مكافأة تافهة عشرة جنيهات لمن يحضر لها الخاتم، يدفعها السيناريست وهو يتمني من الأطفال أن يعثروا علي خاتمها، يدفعها لسبهم وشتمهم و"إيه الأطفال دي، دول لازم يحبسوهم ويموتوهم" فيعاقبها أحد الأطفال بإلقاء خاتمها الماسي الثمين في النهر ويستمر مسلسل العنف الدموي، ضرب بالجنازير، أحدهم ربط صديقه تحت عجلات القطار، المطاوي والسنج تسطع طيلة الأحداث.

وسيلة واحدة للحياة، وتنتحر العاهرة بما قتلت وسرقت وسُرقت وعجزت عن محو وصمة الهوان عن وجهها، ويقتل الصغير أباه في مشهد وحشي فتبكيه الأخت المغتصبة ويفرا تاركين الجثة بدمائها في منزلهم، الشرطة منشغلة بمطاردة الأطفال ولا تنتبه لكل جرائم القتل التي ترتكب طيلة الفيلم، قتل الأب علي يد ابنه، قتل الزبون علي يد العاهرة، وكأن الفيلم يقول إنهم يستحقون القتل، وينتهي الفيلم بمجموعة من المشاهد الدموية المتلاحقة، بلطجي يضرب بلطجياً آخر ويكاد يقتله بحثا عن حقيبة ومال، سيدة حامل تحت تأثير الضرب والعنف تدله علي الحقيبة فيضربها في بطنها بسنجة تشقها وتخرج الجنين قتيلا منها، يدفنون الصغير في قماشة بيضاء ملوثة بدمائه حتي لا ينسي المشاهد ما الذي يراه، الطفل الذي قتل أباه وأمه وأخته يجلسون علي ربوة المقطم ينتظرون شيئاً لم أفهمه جديا، يتغزلون في القاهرة الجميلة ليلا ويتمنونها جميلة بالنهار مثلما يرونها، فجأة تنقض عليهم عصابة بحقائب فضية وسيارات وضرب و.... في النهار نراهم صرعي قتلي، موتي، منزوعة أعضاؤهم والبوليس أمامهم يثبت حالتهم قتلوا علي يد عصابة نزعت أعضاءهم و............ ينتهي الفيلم! وبقيت مكاني أحدق في شاشة التليفزيون، أسأل نفسي ليه؟ ما الذي يهدف إليه صناع ذلك الفيلم، تسليط الضوء علي مشكلة أولاد الشوارع ، تسليط الضوء علي مشكلة زني المحارم واغتصابات البنات؟ ما الذي يهدف إليه صناع ذلك الفيلم، تنبيهنا إلي أن مجتمعنا وحياتنا صارت مثل الغابة، القوي يقتل الضعيف ويستبيحه؟ تنبيهنا لكل العنف الموحش الذي يحيطنا في صدور أطفال وفتيات لن يتورعوا في أي لحظة عن القتل إذا لزم الأمر! لم يعجبني الفيلم، ورأيته قبيحا موحشاً، من حق صناع الفيلم أن يعملوا فيلمهم كما يعجبهم ومن حقي أقول إنه لم يعجبني ولم أحبه، بل ومن حقي أن اختلف معهم في رؤية الواقع وفهمه وهذا موضوع آخر.

انتهي الفيلم فتذكرت أفلاماً كثيرة جميلة أسعدتني وملايين المصريين سنوات وسنوات، أفلاماً مات صانعوها وتركوها لنا دررا ثمينة تسعدنا وتستجلب لهم الدعاء والحب كلما شاهدناها.. وقضيت بقية الليلة أترحم علي عاطف الطيب وأفلامه الواقعية، أترحم علي صلاح أبوسيف وأفلامه الواقعية، أتذكر يوسف شاهين والأرض وأبتسم سعادة بذلك العمل الجميل، أتذكر فيلم الصعاليك لداود عبد السيد، أتذكر الهروب وضد الحكومة لعاطف الطيب، أتذكر أحلام هند وكاميليا وزوجة رجل مهم لمحمد خان، أتذكر غيرها من أعمال كثيرة جميلة لن تمحي
مهما طال الزمن من وجدان وعقل المصريين، إنها تلك السينما الواقعية المليئة بالفن والجمال والإبداع والخيال ... ويا ليتني لم أفتح التليفزيون أساسا!

مقالتي الاسبوعيه منشورة بجريده روز اليوسف اليومية الاثنين 17 يناير 2011

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=100721


الأحد، 2 يناير 2011

صباح الوجع ياوطني ....






إنها مصيبتنا كلنا... التفجيرات التي وقعت عند كنيسة القديسين بالإسكندرية، مصيبتنا كلنا... الدماء التي سالت دماء مصرية بصرف النظر عن ديانة صاحبها، الشهداء الذين اغتيلوا غدراً بيد إرهابية شهداء مصريون بصرف النظر عن ديانتهم... بوضوح، لم اعتبر ما حدث جريمة ضد الأقباط، لكني أراه بوضوح جريمة ضد مصر كلها وضد المصريين، جريمة تمس الأمن القومي المصري، فما هو أكثر خطراً علي الوطن ومواطنيه من دفع عنصري الأمة للتناحر والتقاتل.

إنها جريمة إرهابية وجزء من مخطط منظم لحرق مصر من بوابة الفتنة الطائفية، استخدام الصراع الديني لإحراق الوطن وكل أبنائه، بغسل مخ الشباب والبسطاء ودفعهم دفعا للصدام مع الآخرين بزعم نصرة الدين والدفاع عنه، بإنكار الآخر ونفيه وعدم الاعتراف به كمواطن مصري له نفس حقوق وواجبات كل المصريين، بالتركيز علي قضايا (الأسلمة والتنصير)، شيوخ الفضائيات وفتاواهم المريبة، المنشورات التي توزع في الشوارع تحض علي الكراهية والفتنة، إنكار الوطنية والمواطنة والتركيز علي الانتماءات الدينية والهويات العقائدية، التركيز علي فكرة الأقلية والأغلبية بما تتضمنه تلك الفكرة من قهر وخضوع، سيطرة وانسحاق، كل هذا تضافر لدفع الصراع الديني الطائفي لذروته و...... فلتشاع الفوضي وتشتعل الدنيا.

المجرمون الإرهابيون ممن نفذوا تلك الجريمة ومن حرضوا عليها ومن مولوا ارتكابها ومن جند المنفذين لارتكابها وخدعهم بالتفسيرات المتطرفة للدين وحشو رؤوسهم بالأكاذيب والخزعبلات والكراهية سواء من خارج الوطن أو أتباعهم من داخله، كل هؤلاء لم يستهدفوا فقط تفجير الكنيسة وبعض القتلي مهما كثر عددهم، لكن استهدفوا أن تكون تلك الجريمة إشارة البدء لفوضي عارمة تنشأ بسبب صدامات بين المسلمين والأقباط من جهة والشعب والحكومة من جهة أخري، إنها كرة النار المشتعلة والتي تنحدر بنا صوب الهاوية ويزداد اشتعالها كل ثانية، كرة النار، فمن يندفع انفعالا وغضبا من الأقباط لمهاجمة المسلمين باعتبارهم المسئولين عن تلك الجريمة. وبدلا من استيعاب الغضب وتفهمه وتهدئته، يندفع بعض المسلمين أعمياء القلب والبصيرة لمهاجمة الأقباط وترديد الأفكار المسمومة التي تروج علي ألسنة المتطرفين ومنشوراتهم، وتشتعل الحروب الطائفية علي الشبكة العنكبوتية والمنتديات ويتم تبادل الاتهامات العقائدية ويحلو للبعض ترديد المواقف الطائفية العنصرية الصدامية القديمة وتذكير الناس بها تأجيجا للغضب في الصدور وينسي الجميع المصيبة والوطن والشهداء و... يصبح الانفجار قريبا! إنها كرة النار المشتعلة حيث يقرر البعض، أن هذه اللحظة بالذات لحظة المصيبة، هي اللحظة المناسبة لتصفية خلافاته مع الحكومة ورجالها والنظام ورموزه، وبدلا من إلقاء اللوم - في هذه اللحظة بالذات - علي المجرمين الإرهابيين وإدانتهم، ينشغلون بمعارضتهم للحكومة والهجوم عليها وعلي رجالها وسياساتها ويتحدثون عن الانتخابات والتزوير وعن المعارضة والتوريث، البعض يتهمها بعدم حماية الأقباط والبعض يتهمها بالانشغال بالأمن السياسي علي حساب أمن المواطن والبعض يتهمها بعدم الدفاع عن الإسلام والبعض يأخذها فرصة للحديث عن العبارة وغرقاها وللحديث عن مولد أبوحصيرة والتطبيع ونستدعي التاريخ والجغرافيا والسقطات والهفوات ونكبر الصغيرة ويزداد الغضب ويزداد و... يصبح الانفجار قريبا!

إنها كرة النار المشتعلة التي ينفخ الإرهابيون وجماعات التطرف وأعداء الوطن في نارها منذ سنوات بعيدة هدفهم الوحيد إشاعة الفوضي في ذلك الوطن وشق وحدته وتقسيمه لكانتونات طائفية وإدخاله في صراعات ومشاحنات طائفية ولنا بما حدث في لبنان وما يحدث في العراق وتقسيم السودان أسوة وعبرة!

المصيبة مصيبتنا كلنا ولكن .... هل يكفي الحزن والغضب والعويل والنواح! هل يكفي بيانات الإدانة والشجب والاستنكار! هل يكفي التشبث بالمواطنة وترديد كلماتها كالبيغاءات دون مضمون حقيقي في الواقع والحقيقة! أليس ضروريا الانتباه الحقيقي لما يحدث من عبث فكري مقصود في عقول الشباب وغسيل أمخاخهم ودفعهم لخانات التطرف والطائفية والعنصرية وإنكار الآخر سواء في المدارس أو الجامعات أو في الجوامع والكنائس من بعض المتطرفين هنا وهناك. أليس ضرورياً النظر الجاد في مناهج التعليم التي لم تفلح في تعليم الأطفال والشباب بحق إن مصر لكل المصريين بصرف النظر عن التعداد والأرقام والأغلبية والأقلية، التي لم تعلمهم بحق معني المواطنة والوطنية والوطن، أليس ضروريا النظر الجاد في السياسات الإعلامية "الديمقراطية" التي تسمح لكل من "هب ودب" أن يكون له قناة وبرنامج وضيوف و"يفتي" و"يقول ريان يا فجل" ويتحدث وكأنه المتحدث الرسمي والوحيد باسم صحيح الدين فيحل ما يحله ويحرم ما يحرمه ويروج لدعاوي عنصرية متطرفة لا يؤدي الإيمان بها وتصديقها إلا لحرق الوطن وحرقنا كلنا! ألم يحن الوقت للانتباه لمصادر الطائفية والعنصرية الدينية والصراع الديني ومقاومتها فكرياً بكل الطرق والوسائل حفظا لأمن الوطن ومستقبله وأمان مواطنيه وحياتهم!

المصيبة مصيبتنا جميعاً ولكن.... رب ضارة نافعة، ربما كنا نحتاج هذه المصيبة الكبري لنستيقظ من سباتنا وسلبيتنا ونهم بالدفاع عن وطننا وحياتنا بنبذ الطائفية والتناحر الديني العقائدي والاعتراف بالآخر واحترامه واحترام حريته الدينية وعقائده ووجوده ومواطنته بما يحتاجه ذلك من جهد تعليمي وإعلامي وثقافي ودعائي وإعلامي، ربما كنا نحتاج لهذه المصيبة الكبري لنعرف قيمة الدولة المدنية وحقوق المواطنة باعتبارهما صمام أمان حياتنا ومستقبلنا ومستقبل أطفالنا، فنسعي جاهدين لإرساء قيمها ومبادئها علي أرض الواقع والحقيقة بمنح المسلمين والأقباط علي قدم المساواة كل الفرص للعمل والترقي والنجاح والحياة الآمنة! ربما كنا نحتاج تلك المصيبة الكبري لندرك أن مصر لكل المصريين وأن أقباط مصر مثل مسلميها ومسلميها مثل أقباطها جميعهم مواطنون لهم نفس الحقوق والواجبات، وأن الكنيسة المصرية مثل الأزهر الشريف. وأن الأنبا شنودة مثل شيخ الأزهر وأن ما يوجع أقباط مصر يوجعنا ومايحزنهم يحزننا وما يصيبهم يصيبنا والعكس بالعكس وأنه لا أمان للمصريين أقباطاً ومسلمين إلا في وطن يؤمن بحق أن الدماء المصرية قبطية كانت أو مسلمة تحرقنا وتكوي قلوبنا وتحزننا.. رب ضارة نافعة، ربما كنا نحتاج لمصيبة كبيرة لنفيق!،

نحتاج نظرة بصيرة وتغييرات جريئة في مناهج التعليم وفي مضمون السياسة الإعلامية لتغيير عقول بعض الشباب وأفكارهم الطائفية وتعليمهم قيمة المواطنة والمشاعر الوطنية والوطن، نحتاج لتغيير في سياسات التوظيف والعمالة الطائفية التي تقسم المؤسسات الاقتصادية لمؤسسات إسلامية ومؤسسات قبطية وتكرس الانقسام الطائفي والتمييز الديني. نحتاج لحل المشكلات الاقتصادية والبطالة وتحسين حياة الناس لإفراغ الغضب من الصدور واليأس من النفوس وتجميعهم حول مشروع قومي حقيقي يستنهض الأمل في نفوسهم ويدعم الانتماء للوطن والفخر به، نحتاج لجهد جماعي كبير للدفاع عن وطننا وعلينا أن نبذله بمنتهي الاخلاص والصبر فلا نملك أغلي من الوطن لندافع عنه ونفخر به ونعيش فيه نحن وأولادنا وأحفادنا آمنين مطمئنين! رب ضارة نافعة. وعلي كل المصريين المخلصين المحبين لوطنهم رد الكيد لأصحابه وإفشال محاولاتهم الحقيرة لشق وحدة الوطن ودفعه لهاوية الفوضي والاقتتال الطائفي والتقسيم والخراب!

جملة أخيرة .... في أوقات المحن والشدائد والأزمات التي تمر علي الوطن، ومع إدراكي لقدر اختلافي مع الحزب الوطني وحكومته في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتوجهات السياسية والانحيازات الطبقية، لا أفكر إلا في الوطن وأنحي كل شيء آخر جانبا! وقتها الوطن يكون الأهم والمهم وليس أي شيء آخر! هذه قناعتي الدفينة، فما يحتاجه البيت يحرم علي الجامع ومايحتاجه الوطن يعلو فوق أي شيء آخر!

كلمة أخيرة .. وقتما تصبح المواطنة حقيقة والدولة المدنية واقعا نعيشه والصراع الطائفي البغيض يرتد لصدور المحرضين والممولين والمنفذين انكسارا وهزيمة وفشلا تبقي مصر آمنة وطنا لكل المصريين، وقتها سأقول من كل قلبي لكل المصريين، كل سنة وأنتم طيبون، أما الآن فلا أجد ما أقوله!

نشرت في جريدة روز اليوسف اليومية الاثنين 3 يناير 2011