الاثنين، 25 أكتوبر 2010

مجرد سؤال بريء ؟؟؟؟




فكرت طويلاً قبل الكتابة في هذا الموضوع، صور لي خيالي في بعض اللحظات أن كلماتي ستتحول لكارثة وتدفع المتسولين، ممن يراكمون الثروات من الشحاذة، لمطاردتي لأني استعدي القانون عليهم وعلي عملهم! لكن الطمأنينة عادت لقلبي بسرعة لأني ادركت اني ساكتب ولن يتغير شيء وسيبقي المتسولون آمنين يمارسون عملهم المربح المريح دون أن يتعرض لهم أحد!

سألت نفسي أيضا هل أنا قاسية متغطرسة غليظة القلب، لماذا لا أشفق علي هؤلاء الذين يريقون ماء وجههم طيلة الوقت وصولا لحسنة من طيبي القلوب. لماذا لا أشعر بالتعاطف مع السيدة التي تسحب طفلاً مشلولاً يسيل اللعاب من فمه تجري بكرسيه المتحرك وسط السيارات. لماذا لا أحس قدر المشقة التي يبذلها الرجل العجوز وهو يقف علي قدميه طيلة اليوم بملامحه البائسة، لماذا لا أحمل بين ضلوعي قلباً رقيقاً يشفق علي تلك السيدة القعيدة التي تجلس علي مقعد متحرك تلوح للمحسنين بأكياس المناديل؟

وكدت أترجع عن الكتابة في هذا الموضوع، لأنني واثقة أن كثيرين من طيبي القلب سيرونني في صورة دراكولا سفاك الدماء لأني لا أتعاطف مع هؤلاء المتسولين اللي «حالهم يصعب علي الكافر»!

لكن بعد تفكير طويل قررت اكتب ما فكرت فيه واحسسته، غضبا من استغلال الأطفال المرضي الرضع في استدرار عطف المحسنين من قبل كبار امتهنوا الشحاذة والتسول، وهو استغلال قميء يوجع القلب لأطفال أبرياء لا ذنب لهم إلا مرضهم أو عته أو صغر سنهم فيستخدمهم الكبار المحترفون وسط ظروف قاسية - بلا اكتراث حقيقي بظروفهم ولا مرضهم ولا حالتهم - تفتيت القلوب والاستيلاء علي بعض ما في الجيوب ومراكمة الثروات بأسهل الطرق وابسطها و... حسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة، وساعدني أعالج العيل الغلبان، وربنا مايحكم علي ابنك زيه يارب ! واسمحوا لي أسأل من يهمه الأمر أو يعنيه.... هل مازال التسول في بلادنا مخالفة يعاقب القانون علي ارتكابها، ام تغيرت القوانين دون أن أدري فصار التسول مباحا، ويمكن لأي شخص أن يتخذ أي موقع مقرا لمباشرة عمله القانوني وهو الشحاذة.

فالمتسولون، أفرادا ومجموعات، يباشرون نشاطهم اليومي الدءوب في عز النهار في كل شارع حتي اختلط علي الأمر وتساءلت هل صارت الشحاذة والتسول مهنة «شريفة » من حق من يباشرها أن يباشرها بالطريقة وفي المكان الذي يختاره دون أي تعقيب من الدولة وقوانينها أم مازال التسول والشحاذة فعلا يعاقب عليه القانون بما يستوجبه ذلك من جهد لإعادة الانضباط للشارع المصري وتحجيم تلك الظاهرة وفقا لأحكام القانون وصولا لمنعها والقضاء عليها!

لاحظت ولاحظ الكثيرون معي، أن أعداد المتسولين والشحاذين قد ازدادت في السنوات الأخيرة بطريقة ملفتة للنظر، وتساءلت هل ازداد الفقر في بلادنا للحد والدرجة التي أفرزت كل هؤلاء المتسولين والمتسولات رجالاً ونساء وأطفالاً، أم ما هو سبب تلك الظاهرة التي انتشرت كالنار في الهشيم فجأة. فتراهم في كل الأماكن أمام المحلات وعلي نواصي الشوارع وفي إشارت المرور وأمام الجوامع والكنائس وأمام السينمات، تراهم في الشوراع الجانبية والشوارع الرئيسية، علي شاطئ النيل وامام المستشفيات الكبري فضلا عن ازدياد أعدادهم بشكل رهيب في المواسم والأعياد والإجازات الرسمية!

لاحظت ولاحظ الكثيرون معي، أن أشكال وطرق التسول والشحاذة قد تطورت في السنوات الأخيرة، فلم يعد الأمر رجلا أو امرأة تمد يدها علي استحياء تطالب بحسنة، بل صار بعض الشحاذين يطرقون زجاج السيارات وكأن من بداخلها أعمي لا يري إلحاحه خلف الزجاج، وصار بعضهم يجلس علي مقاعد خصصت للمعاقين والمشلولين فتظنهم بسذاجة في البداية مرضي قليلي الحيلة لكنك تكتشف بالمراقبة الدقيقة أنهم يغيرون ملابسهم كل يوم ويتحممون ويروحون ليلا ويرجعون نهارا. فسرعان ما تفطن انهم جزء من جماعة اكبر توصلهم ومقعدهم المعدني الثقيل كل يوم لمقر الشحاذة وتعود بهم آخر اليوم لاماكن نومهم.

أنه ليس نشاطاً فردياً دافعه الفقر والعوز، بل نشاط جماعي منظم هدفه الربح عن طريق ابتزاز الجمهور بجميع أشكال الابتزاز العاطفي والإنساني وصولا لدفعه طوعا لدفع الحسنة لهم! بعضهم شيوخ عجائز بضاعتهم العجز وارتعاشة اليد وبعضهم بضاعته اطفال صغار رضع ومرضي يصرخون ويبكون وبعضهم بضاعته حبات ليمون عجفاء وبعضهم بضاعته بنات صغيرات يطرقن الزجاج وترتعش أجسادهن من البرد والحر، بعضهم بضاعته أكياس مناديل يأنف أي شخص من لمسها وبعضهم بضاعته رجل كفيف يجرونه خلفهم يبكي! والحق أن أصحاب تجارة التسول والشحاذة لا يكفون عن تطوير تجارتهم وأعمالهم ووسائل ممارستها وأشكال بضاعتهم التي يعرضونها علي الجمهور ابتزازا لمشاعره وصولا لحسنته القليلة التي ستمنع عنه بلاوي كثيرة!

إن ما نراه حولنا، ليس تعبيرا عن ازدياد الفقر، وليس تعبيرا عن استفحال الجوع ، ما نراه حولنا عمل تجاري منظم يمارسه جماعات تقسم بينها الأدوار والجهد وربما تتشارك في الحصيلة أو يعمل معظم أفرادها باليومية الثابتة وبقية الايراد للمعلمين وأصحاب رأس المال ممن يوزعون الأكل علي عمالهم المتسولين ويحملونهم من أماكنهم لأماكن العمل بالسيارات ويعودون بهم آخر اليوم لمنازلهم، ممن يشترون تلك الأطفال المعاقة المريضة أو يستأجرونها من اهلها لاستخدامها ومرضها وعجزها وقلة حيلتها كوسيلة لاستدرار العطف وجلب الأموال، للمعلمين وأصحاب الأعمال ممن يجمعون تلك الباقة المتميزة من العجائز المرتعشين والنساء المشلولة والأطفال المريضة والرضع كوسائل تحفيزية لأصحاب القلوب الرحيمة لفتح محافظهم وجيوبهم ودفع الحسنة!

وبالطبع لا أنا ولا أي منكم قادر علي تصور قدر حصيلة الشحاذة والتسول اليومية التي تدفع سيدة نحيلة صفراء الوجه لصعود الطريق الدائري كل يوم ومعها طفل مكسور الرقبة مشلول والوقوف من أول النهار حتي آخره في عز الصيف ! الارجح انها حصيلة كبيرة لأني رأيت زميلتها وسط انهماكها بالتسول والدعاء والابتزاز، رأيتها تخرج من جيب جلبابها تليفوناً محمولاً وتتحدث فيه ثم تغلقه وتعيده لمكانه وتعود مرة أخري لرسم ملامح البؤس علي وجهها ومد كفها لجمهورها دونما تفطن طبعا أنني رأيتها وللأسف كنت اقود السيارة فعجزت عن التقاط صورتها بكاميرتي لكن ملامحها لم تغب عن عيني!

ومازالت اسأل ........ هل مازال التسول في بلادنا مخالفة يعاقب القانون علي ارتكابها؟ إنه مجرد سؤال بريء!
نشرت في جريده روز اليوسف اليومية 25 اكتوبر 2010

الأحد، 17 أكتوبر 2010

الفيس بوك !!!!



مازلت مقتنعة، أن في مصر أناساً وظيفتهم الوحيدة التي يجيدونها بشدة هي استثارة الغضب الشعبي! هؤلاء يبذلون مجهوداً رهيباً في إغضاب المصريين وإثارة حنقهم، يستجلبون من قلوبهم اللعنات ويشعلون في نفوسهم الحنق ويجهزونهم للانفجار لأي سبب وأتفه سبب وكل سبب! هل مجهوداتهم محض أمر عشوائي فطري أم مجهوداتهم جزء من عمل منظم لدفع الغضب في النفوس للانفجار؟!، الله أعلم، كل ما أعلمه أنهم موجودون ولا يكفون عن النفخ في النار ليل نهار بمنتهي الدأب وبمنتهي الإصرار! كل يوم حريق جديد يحيط بنا، خبر كاذب، تصريح مستفز، موقف غامض، وغضب من غضب واستفزاز من استفزاز وتصريحات إعلامية وحوارات وتكذيب ونفي وتمسك وشجب وتحليل للموقف وتحليل للتحليل و.......... جبل غضب يعلو فوق الجبال القديمة وربنا يستر!
فجأة وعلي رأي المثل (ياقاعدين يكفيكم شر الجايين) فجأة واحنا "قاعدين" يخرج أحدهم، قد يكون معارضاً وقد يكون حكومياً، قد يكون من الحزب الحاكم وقد يكون موظفاً كبيراً قد يكون علي المعاش ويدعي العلم ببواطن الأمور قد يكون رجل دين وقد يكون فناناً أو محامياً يبحث عن شهرة أو معداً لا يجلس المتفرجون أمام برنامجه التافه، أحد هؤلاء يخرج علي المجتمع بلا مناسبة بقول ما، في صورة خبر أو سر أو حقيقة مستورة يكشفها من أجل الصالح العام حسب زعمه أو حدث تاريخي مر وانتهي لكنه ينبش فيه ويحيي ذكراه.

وتشتعل النار ويزداد الغضب، ليس مهما بعد ذلك يكون الخبر صحيحاً أو كاذباً، ليس مهماً نتراجع عن التصريح أو ننفيه، ليس مهماً نعدل عن القرار أو نتمسك به، هذا كله ليس مهماً، فالمهم يكون قد حدث فعلا واشتعل الغضب أكثر وأكثر في نفوس المصريين!

هل معني كلماتي أن حياتنا "بمبي بمبي "وأن " الجو ربيع " بالطبع لا، حياتنا مليئة بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالمواطن يعاني من الغلاء والمحاكم تمتلئ بقضايا الفساد والانحراف والفتنة الطائفية تظهر رأسها كل آن لتروعنا ثم تعود لمكمنها، المواطن يشكو من حال التعليم والصحة ومن بطء اجراءات التقاضي ومن ارتفاع ثمن الكهرباء وسعر الطماطم ومن الضريبة العقارية، يشكو من الفجوة الطبقية الواسعة في المجتمع الذي يعيش أربعون في المائة من مواطنيه تحت خط الفقر في نفس الوقت الذي يتقاضي أحد مطربيه ثمانين مليون جنيه لأنه قبل تمثيل بطولة مسلسل تليفزيوني في رمضان المقبل ووصل ثمن علبة السجائر أحد عشر جنيهاً ووصل كيلو اللحمة لمائة وعشرة جنيهات.... نعم عندنا مشاكل ضخمة، فقر وبطالة وأمية والانفجار السكاني والتربص الطائفي، عندنا مشكلة ديمقراطية وتداول السلطة والحكم! نعم كل هذا عندنا وأكثر.... لكن هذا كله كوم وما يحدث من استثارة الغضب الشعبي كوم آخر!

هذه المقدمة الطويلة بسبب الشائعة التي انتشرت عن نية الحكومة ووزارة الاتصالات في حجب الشبكة الاجتماعية الأشهر في العالم شبكة الفيس بوك، حجبها بمعني حرمان المصريين من المشاركة فيها وفي أنشطتها! هذه الشبكة تضم حوالي ثلاثة ملايين مصري سواء من داخل مصر أو من خارجها، بالطبع في حالة حجب الشبكة وحرمان المصريين من المشاركة في أنشطتها لن تخرج مصر ومشاكلها وقضاياها بشكل واقعي من الشبكة الاجتماعية.

فالمصريون من خارج مصر في كل دول العالم الذين يحبون هذا الوطن ويهمهم أمره والمشتركون في تلك الشبكة سيظلون يتحدثون عن مصر ومشاكلها من وجهة نظرهم - سواء أعجب كلامهم الحكومة المصرية أو لم يعجبها - ووقتها ستكون "الفضيحة بجلاجل" لأن المشكلة الأكبر التي سيطبل عليها الجميع ويرقصون هي (استبداد الحكومة المصرية وقمعها للحريات لدرجة حجب موقع الفيس بوك)!

هي مجرد شائعة... "الحكومة حتقفل الانترنت" من الذي قال هذه الشائعة، لا أحد يعرف وسرت الشائعة كالنار في الهشيم، المشاركون المصريون في الفيس بوك أحسوا بمؤامرة تدبر ضدهم بلا مبرر، فهي شبكة اجتماعية يتعارف فيها الناس ويتجمعون في مجموعات عمرية ونوعية وجغرافية حسب الاهتمامات والهوايات، شبكة اجتماعية يتعارف فيها الناس من كل بلدان العالم ويتحدثون بحرية ويكتبون ما يرغبون فيها وانت - المشترك - صاحب الحرية تقرأ هذا وذاك وتعجب بهذا وترفض هذا.

إنها شبكة اجتماعية من حقك تنتمي لها أو لا تنتمي ومن حقك تتعارف علي آخرين أو لا تتعارف! طبعا بعض مرتادي تلك الشبكة مهتمون بالسياسة ولهم آراء معلنة فيها، لكن البعض الآخر لا يكترث بالسياسة علي الاطلاق وتلك الشبكة الاجتماعية بالنسبة له ليست إلا وسيلة لكسر عوالم الوحدة والعزلة الاجتماعية التي يعيشها! وهذا وذاك أحرار فيما يهتمون به! البعض يعتبر الشبكة الاجتماعية مجالاً لنشر إبداعاته وكثير من الكتاب - الحكوميين والمعارضين - يعيدون نشر مقالاتهم علي تلك الشبكة وكل واحد يقرأ اللي يعجبه وكل واحد ينام علي الجنب اللي يريحه!

فهل ضاق صدر الحكومة ببعض المقالات و"النوتس" علي الفيس بوك لدرجة حجب الموقع عن مصر! لا أظن هذا! الحقيقة عندما سمعت الشائعة في البداية استهزأت بها وكدت اتجاهلها لكن مواقع أخري علي الإنترنت نشرت الخبر (أو الشائعة) وانقسم الناس بين مصدق ورافض وغاضب وبسرعة تكونت جروبات علي الفيس بوك لا يجمع بين أعضائها فقط إلا رفضهم النية الحكومية لحجب الموقع في مصر!

وبسرعة انهالت الناس فوق رأس الحكومة باللعنات لأنها ستحجب موقع الشبكة الاجتماعية في مصر ولأنها ضاقت بالحرية ولأنها ستكمم الأفواه و.............. وانهمرت التحليلات السياسية الفيسبوكية للشائعة ومبررها وسببها وكيفية التصدي لها و...... مازالت القطة تجري وسط الحقول مشتعلة الذيل!

الحكومة نفت أنها تنوي حجب موقع الشبكة الاجتماعية «الفيس بوك» في مصر! لكن خبراء استشارة الغضب الشعبي لم يصمتوا ولم يصدقوا و" وهو فيه حد برضه يصدق الحكومة " و............. الغضب يزداد ويزداد، بلا قضية حقيقية و بلا أي سلوك عملي يفصح عن اتجاه الحكومة لحجب الموقع ولا إغلاقه في مصر ولا منع المصريين من المشاركة فيه! لا أعرف من الشرير الذي اطلق الشائعة ولم أصدقها! لكني أعرف جيدا أن هناك ملايين المصريين المشتركين في تلك الشبكة سيغضبون غضباً شديداً لو حجب الموقع في مصر وغضبهم لن يبقي صامتاً بل سينتشر في كل أرجاء شبكة الإنترنت والمواقع والمدونات يلوم الحكومة التي ضاق صدرها بالفيس بوك!

هل هذه نتيجة تطمح الحكومة في الوصول إليها وتتمناها؟ بالطبع لا، لكن أحد يراكم الغضب ضد الحكومة لأسباب مختلفة أضاف عليها تلك القضية الصغيرة التي قد يراها البعض تافهة لكني أراها حالة نموذجية لسلوك خبراء استشارة الغضب الشعبي الذي أخصهم - وليس الفيس بوك - بحديثي اليوم! انتبهوا إن أكبر الحرائق من مستصغر الشرر، إن أكبر الحرائق من مستصغر الشرر!

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه 18 اكتوبر 2010

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

مالذي حدث في مصر هذا الاسبوع !!!!


(1)


هل كافيا أن يصدر بيان من شيخ الأزهر والبابا لإغلاق باب الفتنة الطائفية الذي أحس المجتمع كله بلهيب النيران المستعرة خلفه تتوهج لتحرقنا جميعا.. لا لا يكفي.. نعم البيان له أهمية في مجتمع تراشق مثقفوه ورجال الدين فيه بالنيران الخطرة، لكن البيان وحده لا يكفي، علي شيخ الأزهر والبابا أن يصدرا بوضوح وحسم تعليماتهما ونصائحهما لتابعيهما ليكفوا عن اللعب بالنيران الطائفية وأن يكلما جماهيرهما المتدينة لتنبذ من داخلها روح الاحتقان الطائفي والتربص، فلو بقي الأمر محض بيان بين شيخ الأزهر والبابا دون أي جهد آخر لفقد البيان معناه وقيمته.

نحن لا نبحث عن سطر في كتاب التاريخ يقول "ورغم اشتعال الفتنة الطائفية وروح الاحتدام والتربص صدر بيان عن الأزهر والكنيسة ...."، بل نحن نبحث عن جهود حقيقية كمثل عصا موسي تبتلع كل ثعابين السحرة وتطفيء نيران الفتنة الطائفية والصراع العقائدي الديني حتي يعود للمجتمع سلامه وأمنه ويخرج الخوف والفزع من نفوس مواطنيه من غول اطلق سراحه ويهدد الجميع بالتهامهم! يا سيادة شيخ الأزهر ويا سيادة البابا، بيانكما وحدة لا يكفي لابد من جهد متواصل لإطفاء نار الفتنة بالعقل والحكمة واحترام الآخر وإعمال قيمة المواطنة.... غير هذا يكون بيانكما صدر للصحف ولكتب التاريخ ليس إلا!

( 2 )

بدأ بعض الجرائد ينشر عن مشروعات فنية ومسلسلات تعد وتجهز لرمضان المقبل، وتداول أسماء بعض الممثلين والمغنيين كأبطال لتلك المسلسلات، وأعلن بعض الجرائد عن الأجور التي سيأخذها هؤلاء الممثلون والمغنيون مقابل عملهم في مسلسلات رمضان المقبل، أحدهم قيل سيأخذ أجرا أربعين مليون جنيه، والآخر تجاوزه وسيأخذ ثمانين مليون جنيه! وقد اندهشت إن لم أكن فزعت من تلك الأرقام، نعم الله يرزق من يشاء بغير حساب، لكن هذا لا يعني مرور تلك الأرقام علينا مرور الكرام! هل هناك منتج في مصر، ولو باع مسلسله الذي لم يعرف اسمه حتي الآن لكل الفضائيات والمحطات الأرضية والتليفزيون المصري، هل هناك منتج سيمنح فعلا هذا النجم أو ذاك أربعين أو ثمانين مليون جنيه مقابل بطولة مسلسله القادم؟ ليه... لماذا سيأخذ النجم ذلك الرقم، هل سيأخذه مقابل بطولته لمسلسل من ثلاثين حلقة فتكون الحلقة (التي بالطبع لن يمثل النجم كل ثانية في دقيقاتها الأربعين) بمليون وما يزيد قليلا أو باثنين مليون وما يزيد قليلا!

وإذا كان أجر النجم البطل ثمانين مليون جنيه فما هي تكاليف إنتاج المسلسل كله! وما هي العوائد المادية أو الأدبية التي ستعود علي المنتج من إنتاج ذلك المسلسل الذي سيتقاضي بطله فقط أربعين أو ثمانين مليون جنيه! ربما يكون المنشور في الصحف مجرد مبالغات وشائعات غير حقيقية! والأمر لا يعدو دعاية لمسلسل سيتم عرضه في رمضان القادم فتنشر تلك الأرقام الباهظة لتحميس المتفرجين وربما تكون لـ " زغللة " عيون الفضائيات كنوع من التسويق التجاري المبكر لتلك المسلسلات.

وربما تكون تلك الأرقام غير صحيحة وهذا النجم أو ذاك لن يحصل علي ذلك الأجر وتلك المبالغ وأن الأمر لا يعدو إلا ترويجا وتسويقا للمسلسل الذي أخذ بطله ثروة طائلة فالأمر المؤكد به أن كل المتفرجين - لو صح هذا الكلام - سيرابطون أمام التليفزيونات لمشاهدة المسلسل وبطله المليوني ولو من باب الفضول! وحتي لو كانت تلك الأرقام صحيحة، ما هي الفائدة من نشرها في الصحف؟ غير نشر الاستفزاز في المجتمع واثارة الأحقاد والكراهية بين أبنائه، فبالله عليكم كيف سيشعر الموظف الذي يتقاضي راتبا لا يصل لألف جنيه في الشهر حين يسمع أن نجمه المفضل سيحصل علي ثمانين مليون جنيه أجرا لتمثيله في المسلسل الرمضاني؟

كيف سيشعر تجاه نفسه وتجاه النجم وتجاه هذا الوطن؟ أفيدوني أفادكم الله، الثمانين مليون جنيه تساوي كام لأني ومعي معظم الشعب المصري ضعفاء في الحساب والأرقام التي نفهم فيها لا تتجاوز صفرين ثلاثة علي اليمين في أفضل الأحوال، أفيدوني أفادكم الله، هل انضمت المسلسلات الرمضانية مع تجارة السلاح وتجارة المخدرات كأكبر مصادر الدخل والربح لأصحابها؟

( 3 )

سعدت بشدة من قرار مجلس القضاء الأعلي بمنع نقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة وسائل الإعلام.. سعدت بشدة، فالمحاكمات ليست عرضا للأزياء تتسلي به النساء في المنازل وقت الطبيخ وأحداث الجلسات والمرافعات ليست أحداث مباراة كورة قدم تسلي الرجال بعد انتهاء أوقات العمل، المحاكمات ليست مسلسلا رمضانيا يتم تصويرها وبثها للمتفرجين -بعد المونتاج والتدخل بالحذف والتعليق- في برامج السهرة لتسلية الجمهور! سعدت بشدة بهذا القرار وكنت أتمناه وأنتظره من زمن بعيد، فللقضاء هيبة وللمحاكمات أسرار وللقانون احترامه وللمتهمين سواء حكم ببراءتهم أو بإدانتهم حقوق قانونية وإنسانية واجتماعية تتناقض تماما مع الفوضي التي كنا نعيش فيها! إنه قرار صائب يستحق منتهي الاحترام والتقدير!


نشرت في جريده روز اليوسف اليومية

11 اكتوبر 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=86257


الاثنين، 4 أكتوبر 2010

ياروح ما بعدك روح


في آخر رمضان، ارتفع سعر الخضار ووصل كيلو الخيار لسبعة جنيهات! كانت صدمة بصراحة لكن قلت لنفسي إن الأسعار ارتفعت في نهاية رمضان واقتراب العيد بسبب الاستهلاك الزائد طيلة شهر رمضان وبعد رمضان ستعود الدنيا لسابق عهدها وأسعارها! لكن يوم العيد أقسمت أختي أنها اشترت حزمة البصل الأخضر بستة جنيهات من سوق سليمان جوهر لتضعه علي مائدة العيد مع الفسيخ والرنجة، كان الأمر صادما «حزمة بصل بستة جنيه» لكني قررت أن أبعد الاكتئاب عن نهار العيد وأمازحها بأنه «بلاش بصل أخضر» مصممة علي أن نكمل العيد في أجواء احتفالية لأن «العيد فرحة»!

قبل رمضان كانت أسعار اللحوم وبالتالي الفراخ قد ارتفعت بشكل مخيف لحد وصل فيه كيلو اللحمة البتلو لمائة وعشرة جنيهات في كثير من الأماكن، قلت لنفسي وقتها إن اللحمة البتلو منتهي الرفاهية ولن يقوي عليها بعد ذلك إلا الأثرياء ولنعتمد بعد ذلك علي الفراخ لكن الفراخ لم تقبل أن تبقي علي حالها كبروتين بديل وارتفعت أسعارها خطوة خطوة و... وهكذا بدأ بوضوح «تسونامي» الغلاء الجديد ويومًا بعد يوم تتضح معالم الموجة الجديدة للغلاء، الخضار ارتفع سعر ووصلت الفاصوليا لسبعة عشر جنيهًا! هذه جملة تضحك وتبكي في نفس الوقت، الفاصوليا اللي «مالهاش لزمة» أساسًا وصلت سبعة عشر جنيها ولحقت بها الطماطم لتصل في بعض المناطق لعشرة جنيهات و... لا أعرف ما الذي حدث واستجد مبررًا لتلك الموجة الجديدة من الغلاء! هل احترقت المحاصيل في الأرض وما بقي منها لا يكفي احتياجاتنا فارتفعت الأسعار؟ هل صدرنا كل الإنتاج من الخضروات للخارج وما بقي لنا ارتفع سعره وفقًا لقانون العرض والطلب ولقلة المعروض! لماذا ارتفع سعر اللحمة خلال رمضان لهذا الحد، ما هو الجديد الذي استوجب ذلك الارتفاع، وإذا كان السعر ارتفع خلال رمضان مثلما حدث، فما الذي سيحدث في أيام العيد الكبير التي يزداد فيها الطلب علي اللحمة وترتفع الأسعار كده كده.. هل سيصل كيلو اللحمة لمائة وخمسين جنيها؟!

هل مسألة الأسعار مسألة لا تتدخل فيها لا الدولة ولا أي أجهزة رقابية ويتصرف فيها المنتجون والتجار جملة وتجزئة براحتهم، يقرروا فجأة لأن الأيام «مفترجة» رفع الأسعار واستغلال زيادة الاستهلاك والطلب علي البضائع والسلع لرفع أسعارها ولأن الأسعار في مصر تزيد في اتجاه واحد صعودا ولا تهبط أبدًا، فإن ارتفاع أي سعر أي سلعة تحت أي مبرر لا يلحقه مهما طال الزمن انخفاض سعرها لو زال ذلك المبرر وتغيرت الظروف فما الذي سيحدث في الأيام القادمة، هل سنعيش أيامًا «سوداء»؟! ارتفاع سعر الخضروات يجذب خلفه كارثة ارتفاع الأسعار عمومًا لجميع الخدمات والسلع الأخري، فالمكوجي قرر زيادة ثمن خدماته لأن الطماطم غليت والكوافير أعلن بوضوح أنه سيرفع أسعاره لأن الحياة غالية والشغالة طلبت زيادة في المرتب لأن الدنيا بقت نار وكأنها نار عليهم وبرد وسلام علينا.

إذا صمتنا وتجاهلنا ما يحدث، سنفاجأ خلال فترة قصيرة من الوقت بانخفاض واضح للقيمة الشرائية للجنيه علي أيدي التجار وبائعي الخدمات والسلع! فالجنيه الذي كان ورقيا قد صفحة الجرنان، تحول لشلن فضة في شكله ويبدو أن مضمونه سيلحق شكله ويصبح الجنيه مثل «الشلن» لا يشتري شيئًا ويأخذه الأطفال مصروفًا وهم ذاهبون للمدرسة، المشكلة أن كل الأسعار ترتفع وكل الأجور سترتفع وثمن الخدمات سيرتفع وتبقي الدخول كما هي ثابتة، تذبح البشر بقلة قيمتها وانخفاض قيمتها الشرائية وتورثهم الهم والغم وقلة الحيلة!

ومازالت أسأل، هل مسألة السيطرة علي الأسعار مسألة لا دخل للدولة فيها والأمر ليس إلا عرضًا من التجار والمنتجين من ناحية وطلبًا من المستهلكين من ناحية أخري وأن الدولة المؤمنة بالحرية الاقتصادية لا تملك شيئًا لقهر المنتجين وإجبارهم علي سياسات تسعير لا تحقق مصالحهم وأرباحهم المغالي فيها لكنها سياسة لصالح الجموع التي تحكمها الحكومة! هل الأمر أصبح كذلك..؟! إن المستهلكين سيتحولون لرهائن تحت مطرقة الغلاء وسندنان ثبات الدخل والأجر وأن الدولة ستتركهم هم والمنتجين والتجار وشأنهم ولن تتدخل لصالح المستهلكين لأن تدخلها سيفسد الحرية الاقتصادية الرأسمالية التي تعتنق الحكومة مبادئها وأفكارها! إذا كان الأمر كذلك والقصة قصة حرية، يتعين إذن علي المستهلكين أن يدافعوا عن مصالحهم ويرفعوا بكل الطرق القانونية السلمية سكين التجار من فوق رقابهم، علي المستهلكين أن يردوا موجات الغلاء علي أصحابها ويقاطعوا ويمتنعوا عن شراء كل سلعة ارتفع سعرها بلا مبرر منطقي، علي المستهلكين أن يتركوا للتجار بضائعهم يهنئون بها ويتفرجون علي جمالها وهي راكدة في محلاتهم وأسواقهم، ربما وقتها يعود العقل للرؤوس وتنخفض الأسعار التي لم ترتفع إلا تحقيقًا لمكاسب رهيبة في جيوب التجار!

إذا بقيت الأسعار مرتفعة وسترتفع أكثر وهذه حرية التجار، فعلينا نقاطع تلك البضائع ونبحث عن بدائلها التي نتحمل وتتحمل أجورنا ودخولنا دفع ثمنها، وهذه حرية المستهلكين! وليأكل التجار بضائعهم الغالية أو يرموها في البحر براحتهم، فلوسهم وهم أحرار فيها، ولنبحث نحن المستهلكون عن بدائل أرخص لكل ما ارتفع ثمنه، فلوسنا ونحن أحرار فيها! المشكلة... ليست فقط في التجار والمستهلكين!

المشكلة فيما سيحدث في الوطن، لو عشنا ذلك السيناريو الأسود، المشكلة أن ما يحدث وآلياته ونتائجه معروفة جدًا باسم الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي تنفجر وقت ترتفع الأسعار، وتعجز الناس عن الشراء، فيقل الطلب علي البضائع والخدمات لعدم وجود سيولة مالية تسمح بالشراء وفقًا للأسعار المرتفعة، ثم تنهار المؤسسات الإنتاجية لأنها لا تبيع منتجاتها، يكثر إفلاس المؤسسات والشركات، تزداد البطالة وفصل العمال، وتقل الدخول أكثر وأكثر، و... بعد فترة يعود الطلب ويزداد علي البضائع المعروضة القليلة بسبب الإفلاس وانهيار المؤسسات الإنتاجية و... شوية شوية، تكيفا مع ما يحدث، تنخفض الأسعار قليلاً قليلاً أملاً في زيادة الطلب أكثر وأكثر، وفعلاً يزداد الطلب فيعود الانتعاش للمؤسسات الإتاجية التي تعود للعمل لزيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج تؤدي لزيادة المعروض من ناحية وتؤدي لزيادة الدخول في وسط العمال والتجار من ناحية أخري و... عبر مناورات بين الطلب والعرض وانخفاض الأسعار وزيادة الدخول... يتوازن السوق مرة أخري ويتجاوز المجتمع الأزمة التي يمر فيها! هذا كله معروف، المشكلة أن تلك الأزمة تأخذ وقتًا لاستفحالها وحلها، ليس يومًا ولا أسبوعًا ولا شهرًا، بل سنة وسنتين وربما ثلاث، في ذلك الوقت يعاني المجتمع كله من آلياتها ونتائجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية! فهل نحن المصريون مقبلون علي أزمة من هذا النوع وهل سنتحمل آثارها الواقعية الاقتصادية السياسية الاجتماعية أم أن الأمر لا يعدو كونه فقاعة صابون نتيجة لمسلك بضعة تجار جشعين ستعيدهم الحكومة لصوابهم لأنهم يلعبون بالنار ليس في السوق وإنما في المجتمع كله بما يهدد استقراره وأمانه!

و... أيها المعنيون بالأمر، بمنتهي البساطة والتلقائية قرر الكثيرون مقاطعة أي سلعة ترتفع أسعارها! وجدير بالذكر أن هؤلاء ممن قرروا المقاطعة ويروجون لها، ليسوا ساسة ولا معارضين ولا يفكروا بمنطق سياسي أو حزبي، هم أناس عاديون يعذبهم ويجرح كرامتهم ثبات الدخول وتوحش الأسعار فقرروا المقاطعة بمنطق (يا ناوي علي قوتي يا ناوي علي موتي و... يا روح ما بعدك روح)! هل ستتصرفون أم ستتركون الدنيا «لغاية ما تولع!».

نشرت الاثنين 4 اكتوبر 2010
جريده روز اليوسف اليومية