الاثنين، 31 مايو 2010

القبح يغزو حياتنا - الطريق الدائري والتأمل



أسير يوميا علي الطريق الدائري من منزلي في ستة أكتوبر لعملي في المهندسين ، والطريق الدائري من ناحية ستة أكتوبر صوب المهندسين وحتي تكتمل دائرته مرورا بالتجمع الخامس ثم نيل المعادي رجوعا للهرم وستة أكتوبر مرة أخري ، هذا الطريق الطويل الاستراتيجي يمر فوق مناطق كثيرة مختلفة الشكل والطابع، تارة فوق أراض صحراوية وتارة فوق أراض زراعية ونخيل وتارة بجوار مبان وبيوت وعمارات بنيت غالبا بشكل عشوائي بلا تراخيص قبل إنشاء الطريق الدائري علي أراض زراعية بطريقة غير قانونية لكن الطريق الدائري كشف المستور فرأينا علي ضفتيه المشاهد الخلفية لمنطقة فيصل وبولاق الدكرور وإمبابة وقري المنصورية والمريوطية وحي البساتين وغيرهم !!!

ويمكن لأي عابر فوق الدائري إن يلحظ بسهولة التباين الفظيع في شكل المباني والبيوت والعمارات القديمة التي أقيمت علي جانبي الطريق الدائري قبل انشائه ، ويلاحظ أيضا العمارات الجديدة التي أنشئت وبنيت بعد شق الطريق الدائري واكتسبت قيمة تسويقية أكثر باعتبارها مطلة علي ذلك الطريق الذي يحيط بالقاهرة كحزام يزين وسطها ويسهل المرور بين أرجائها المختلفة!!!

ولأن الطريق الدائري يعبر عليه مئات الالوف من السائقين وراكبي السيارات والاتوبيسات يوميا فهو مزدحم طيلة الوقت تتكدس عليه السيارات تنتظر الانفراج المروري وهذا الازدحام والتكدس يسمح للبشر تأمل الحياة والاستغراق في الخيال قتلا للوقت الطويل الذي يخنقهم حتي تتحرك السيارة إلي جهتها المنشودة!!

في البداية كنت أتأمل الطريق وجانبيه، أحاول أتوقع الصورة الأمامية لتلك المنطقة المجهولة التي أري منها صورتها الخلفية، صحراء جرداء رمال صفراء الاهرامات قريبة، مناطق زراعة وحقول وخيال مآته ونخيل ، فيلات وقصور وأسوار شاهقة، بيوت وعمارات متلاصقة متساندة فوق بعضها ، أفكر وانا رابضة فوق الطريق ، أين أنا، ومرت فترة طويلة حتي عرفت كل مرة أين أنا، وانتقل التأمل لمرحلة أخري ، ما الذي حولي ، أراض زراعية تتأكل كل يوم ، تتناقص ، تعلوها المباني ، أراض زراعية مثمرة خصبة جميلة تبورها المباني والبيوت وتتناقص البقعة الزراعية المصرية تحت زحف المباني العشوائية، ما الذي حولي ، بيوت متلاصقة متساندة جميعا بنيت بطريقة ( ايده في رجله ) بلا اشراف هندسي سعيا لتخفيض نفقات البناء عن طريق مقاول شاطر يعرف أن الأعمدة الخرسانية ستشيل الهرم الأكبر مابال مبني من ثلاث أربع ادوار ، بيوت بلا فن معماري بلا ذوق بلا اي ملمح جمالي.

علب كبريت مكدسة بجوار بعضها أدوار وسلالم واعمدة وشبابيك وشرفات، شكلها غريب ، قبيحة غالبا ، لا قبيحة فعلا ، كتل مصمتة من الطوب الأحمر والاعمدة الخرسانية الرمادية، لاتري من تلك الأبنية الا الطوب الاحمر بدرجاته اللونية المختلفة، احمر داكن قاني فاتح اقرب للبرتقالي معظم أو كل ملاكها وقاطنيها من الفقراء لا يملكون رفاهية طلاء الابنية وواجهاتها، وعندما أقترب من مهبط ميدان لبنان تبدأ بعض العمارات الجديدة في الظهور علي جانبي الطريق ، عمارات عالية قد تصل لعشرة أدوار ، يلفت نظري ارتفاعها علي الارض الزراعية، اسال نفسي هل صدر لها ترخيص بناء بهذا الارتفاع ، هل بنيت بلا ترخيص والم يرها المسئولون عن البناء واصدار التراخيص مثلما رأيتها؟؟

تلاحظ لي أن ملاك تلك العمارات الجديدة خالفوا اشكال المباني المحيطة ولم يتركوا مبانيهم عارية من الطلاء بل دهنوا واجهات تلك المباني فقط دون بقية العقار ، اللافت للنظر أنهم دهنوا واجهات تلك المباني بألوان زاعقة أخضر في أصفر، أصفر في بني ، أصفر في برتقالي، ألوان متنافرة غريبة، كل هذا عادي ، لو اتفقت الآراء لبارت السلع ، من حق الملاك طلاء عقاراتهم بما يريدونه من ألوان، ملكي وانا حر فيه، لكني أسأل نفسي الا يشعرون بقشعرة في اجسادهم وقت ينظرون لتلك الألوان.

ألا يشعرون توترا بصريا وقت يحدقون في تلك الألوان المتنافرة، سألت نفسي تلك الأسئلة ولم أجد لها اجابة، هل غياب حصص الرسم في المدارس الابتدائية سبب من اسباب انهيار الذوق العام ، ففي تلك الحصص كنا نتعلم تناسق الألوان والأشكال ، لكن المدارس الآن تهتم بالعربي والحساب علي حساب حصص الرسم وحصص الموسيقي وعلي حساب الذوق العام ، هل انتشار اشكال القبح المختلفة حولنا بلدت مشاعرنا وأفقدتنا الحس والرهافة فاعتدنا علي كل الأشكال والألوان حتي المتنافرة المتناقضة المؤذية للعين والنفس والروح .

وقفت كثيرا علي الطريق الدائري انتظر " فرج ربنا " تأملت الطريق وماحوله ، ثم بدأت افكر في حال المدينة التي نعيش فيها ، سلوكيات مواطنيها ، شكل الاعلانات الارصفة المباني ملابس الناس اتوبيسات النقل العام الميادين العامة، وكانت هذه اليوميات .... يوميات مواطنة تعيش في مدينة عريقة يغزو القبح حياتها!

آخر كلمة، في احد الاماكن علي الطريق الدائري عمارة طليت واجهتها بخمسة الوان (أحمر، أصفر، أخضر، كحلي، أبيض) وقتما رأيتها في المرة الأولي اصابني الغثيان، احسست دوارًا وفي المرة المائة اعتدت عليها وعلي ألوانها المتنافرة! لماذا غزا القبح مدينتنا وحياتنا؟

نشرت في جريده روز اليوسف اليوميه ، عمود اليوميات ، صفحه الراي ، الاثنين 31 مايو 2010

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=65628